للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم حمل على المعنى" (١).

علما بأنه ورد في القرآن الكريم مراعاة المعنى ابتداء أيضا وذلك نحو قوله {ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين} [الأنبياء: ٨٢]، وقوله: {ومنهم من يستمعون إليك} [يونس: ٤٢] (٢).

والخلاصة أنه يجوز مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى، إلا إذا اقتضي الموطن مراعاة المعنى للبس أو قبح. غير أنه لا بد أن يكون في الكلام البليغ مرجح لمراعاة اللفظ أو مراعاة المعنى وأن كان الأصل الجواز. فقد راعى القرآن الكريم اللفظ مرة وراعى المعنى مرة قال تعالى: {منهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون} [يونس: ٤٢ - ٤٣]، فقال مرة (يستمعون) ومرة قال: (ينظر). وقال: {ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي أذانهم وقرا} [الأنعام: ٢٥]، فقال ههنا (يستمع إليك) وقال ثم (يستمعون إليك) فما السبب؟

وقال: {ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدًا فيها وله عذاب مهين} [النساء: ١٣ - ١٤]، فقال مرة (خالدًا فيها) ومرة قال (خالدين فيها) فما سبب ذلك؟

فلا بد في الكلام البليغ من سبب يدعو إلى ترجيح أحد التعبيرين على الآخر، وقد ذكروا في التفريق بين هذه الاستعمالات، وأمثالها أوجهًا، فمما ذكروه في التفريق بين الاستماعين المذكورين آنفا، إن قوله تعالى: {ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنه} [الأنعام: ٢٥]، بالأفراد إن الآية نزلت في بضعة رجال من قريش، وهم أبو سفيان، والنضر بن الحارث، وعتبة وشيبة، وأمية، وأبي بن خلف، بخلاف آية يونس


(١) انظر الرضى على الكافية ٢/ ٦٢، الهمع ١/ ٨٧، معترك الأقران ٣/ ٥٨٢
(٢) انظر دراسات لأسلوب القرآن الكريم ٣/ ٢٨٩

<<  <  ج: ص:  >  >>