للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذهب بعضهم إلى أنها بمعنى (قد) على معنى التحقيق، وقال بعضهم: معناها التوقع.

وذهب آخرون إلى أنها لا تأتي بمعنى (قد) أصلا (١). قال ابن هشام " وهذا هو الصواب عندي" (٢).

وهذا هو الصواب فيما أحسب، فغنها ليست بمعنى (قد) تمامًا بل هي لا تزال استفهامية فلا يصح أن نبدلها بـ (قد) وأن نبدل (قد) بها، فلا يصح أن تقول مثلا في قوله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك} [المجادلة: ١]، هل سمع الله قول التي تجادلك، ولا في {رب قد آتيتني من الملك} [يوسف: ١٠١]، (رب هل آتيتني من الملك)، ولكنها قد تخرج إلى معنى قريب من الأخبار.

إن المقصود من أمثال هذا التعبير أشراك المخاطب في الأمر، ليقرر ويجيب بنفسه في حين لو ذكره بصورة الخبر لكان إخبارا من قبل المتكلم نفسه، فقوله تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا} يشرك المخاطبين في الأمر ويطلب منهم الإجابة عن هذا السؤال، ولو أجابوا لقالوا: نعم أتي ذلك على الإنسان فالفرق بين (قد أتي على الإنسان حين من الدهر) و (هل أتى على الإنسان حين من الدهر) أن المتكلم في الأولى قرر هذا الأمر ابتداء وأخبر به، وفي الثانية عرضه بصيغة السؤال ليقرره المخاطب بنفسه، فبدل أن يقولها المتكلم ابتداء، يكون المخاطب مشاركا في إصدار الحكم.

ونحو هذا أن تقول لمخاطبك (هل أكرمتك يا فلان؟ هل أعطيتك ما وعدتك؟ ) وأنت كنت فعلت ذلك له، فيقول: نعم قد أكرمتني وأعطيتني، فبدل أن تقول ذلك بصورة الخبر تقولها مستفهما لتسمع الجواب منه، فيكون أبلغ في التقرير.

وهذا الضرب من التعبير شبيه بما مر من مجيء (هل) نافية، فالتكلم ثم يجيب بالسلب، وههنا يجيب بالإيجاب.


(١) المغني ٢/ ٣٥٢
(٢) المغني ٢/ ٣٥٢

<<  <  ج: ص:  >  >>