للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هي لمجرد المجاوزة وأصلها ابتداء الغاية كقولك (خرج من الدار) فإن معناه أنه فارقها وتركها بخروجه وكان ابتداء خروجه منها، وكذلك (هو أعقل من أن يكذب) معناه أنه فارق الكذب بسبب عقله، وفارق الجهل بسبب حلمه، وليس المقصود تفضيل شيء على شيء وإنما جيء بالوصف على صيغة (أفعل) لبيان الزيادة في الوصف.

جاء في (شرح الرضي على الكافية): " وأما نحو قولهم: (أنا أكبر من الشعر) و (أنت أعظم من أن تقول كذا) فليس المقصود تفضيل المتكلم على الشعر، والمخاطب على القول بل المراد بعدهما عن الشعر والقول.

وأفعل التفضيل يفيد بعد الفاضل من المفضول، وتجاوزه عنه فـ (من) في مثله ليست تفضيلة بل هي مثل ما في قولك (بنت من زيد وانفصلت منه) تعلقت به (أفعل) المستعمل بمعنى متجاوز وبائن بلا تفضيل، فمعني قولك (أنت اعز علي من أن أضربك) أي بائن من أن أضربك من فرط عزتك علي. وإنما ذلك لأن (من) التفضيلة يتعلق بأفعل التفضيل بقريب من هذا المعنى ألا ترى أنك إذا قلت (زيد أفضل من عمرو) فمعناه زد متجاوز في الفضل عن مرتبة عمرو. فـ (من) فيما نحن فيه كالتفضيلية، ألا في معنى التفضيل، ومنه قول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه (ولهي بما تعدك من نزول البلاء بحسنك والنقص في قوتك أصدق وأوفى من أن تكذبك أو تغرك) أي هي متجاوزة من فرط صدقها عن الكذب (١).

ويجوز فيما أرى أن أصله (أنت أعقل من أن تكون شخصا يكذب) و (هم أحلم من أن يكون شخصا يجهل) فحذف ما حذف فصار (أنت أعقل من أن تكذب وهو أحلم من أن يجهل) فيبقى التفضيل على حاله ومعناه، والله أعلم.


(١) شرح الرضي على الكافية ٢/ ٢٣٩

<<  <  ج: ص:  >  >>