للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اجتماع هذه الصفات المتباعدة المتناقضة في الظاهر في ذات واحدة، فجاء بالواو تحقيقا وتقريرا لهذه الأمر، تقول: (زيد شاعر فقيه) فإذا كان المخاطب يعجب من اجتماع هذين الوصفين فيه أولا يظن أن زيدا كذلك جئت بالواو. تقول مثلا لصاحبك: (زيد شاعر) فيقول: أهو شاعر؟ لا أعلم عنه ذاك، فتقول له: (وفقيه) فيعجب ويقول: (وفقيه أيضا) فتقول: (وطبيب). وهذا مكان الواو، لأن فيها اهتماما، وتحقيقا وتوكيدا، ولا يحسن ههنا ترك الواو، وبهذا يمكن ان نفهم كثيرا من التعبيرات، وسر الاتيان بالواو في الأخبار والأحوال والنعوت وغيرها، قال ابن القيم: "أن الواو تقتضي تحقيق الوصف المتقدم، وتقديره يكون في الكلام متضمنا لنوع من التأكيد من مزيد التقرير، وبيان ذلك بمثال نذكره مرقاة إلى ما نحن فيه إذا كان الرجل مثلا أربع صفات، هو عالم، وجواد، وشجاع، وغني، وكان المخاطب لا يعلم ذلك، أو لا يقر به، ويعجب من اجتماع هذه الصفات في رجل، فإذا قلت: (زيد عالم) وكان ذهنه استبعد ذلك، فتقول (وجواد) أي وهو مع ذلك جواد، فإذا قدرت استبعاده لذلك قلت (وشجاع) أي وهو مع ذلك شجاع، وغنى فيكون في العطف مزيد تقرير وتوكيد لا يحصل بدونه تدرأ به توهم الإنكار". (١)

قال تعالى: {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين} [التوبة: ١١٢]، فأنت ترى أنه جاء مع الناهين عن المنكر بالواو، لزيادة الاهتما بهذه الخصلة، لأنها قد تؤدي إلى الاحتكاك والصدام. بخلاف الصفات الباقية وتحتاج إلى صبر وعناء، وحكمة ومشقة قال الامام الرازي: "في إدخال الواو على هؤلاء والناهون وذلك لأن كل ما سبق من الصفات عبادات يأتي بها الإنسان لنفسه، ولا تعلق لشيء منها بالغير. أما النهي عن المنكر فعبادة متعلقة بالغير، وهذا النهي يوجب ثوران الغضب، وظهور الخصومة، وربما أقدم ذلك المنهي على ضرب الناهي، وربما حاول قتله فكان النهي عن المنكر أصعب أقسام العبادات والطاعات، فأخل عليها الواو تنبيها على ما يحصل فيها من زيادة المشقة والمحنة" (٢).


(١) بدائع الفوائد ١/ ١٩١
(٢) التفسير الكبير ١٦/ ٢٠٥

<<  <  ج: ص:  >  >>