للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمرة حذف ومرة أبقى، وهكذا. وهذا لا يكون إلا لسبب.

جاء في (البرهان): "ويلحق بهذا القسم النون الذي هو لام فعل فيحذف تنبيها على صغر مبدأ الشيء وحقارته، وأن منه ينشأ ويزيد إلى ما لا يحيط بعلمه غير الله مثل (ألم يك نطفة) [القيامة: ٣٧]، حذفت النون تنبيها على مبتدأ الإنسان وصغر قدره بحسب ما يدرك هو من نفسه، ثم يترقى في أطوار التكوين {فإذا هو خصيم مبين} [يس: ٧٧]، فهو حين كان نطفة ناقص الكون ..

وكذلك: {وإن تك حسنة يضاعفها} [النساء: ٤٠]، حذفت النون تنبيها على أنها وإن كانت صغيرة المقدار حقيرة في الاعتبار فإن إليه ترتيبها وتضاعيفها، ومثله {إن تك مثقال حبة من خردل} [لقمان: ١٦]، وكذلك: {أولم تك تأتيكم رسلكم} [غافر: ٥٠]، جاءتهم الرسل من أقرب شيء في البيان الذي أقل من مبدأ فيه، وهو الحس إلى العقل إلى الذكر، ورقوهم من أخفض رتبة وهي الجهل، إلى أرفع درجة في العلم وهي اليقين وهذا بخلاف قوله تعالى: {ألم تكن آياتي تتلى عليكم} [المؤمنون: ١٠٥]، فإن كون تلاوة الآيات قد أكمل كونه وتم، وكذلك: {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} [النساء: ٩٧]، هذا قد تم تكوينه .. وكذلك: {فلم يك ينفعهم إيمانهم} [غافر: ٨٥]، انتفى عن إيمانهم مبدأ الانتفاع وأقله ما انتفى أصله (١) ".

إن أغراض الحذف متعددة يقتضيها المقام ومن ذلك على سبيل المثال:

١ - الإسراع: فإن المقام قد يقتضي الاسراع، ولا يقتضي الإطالة في الكلام شأن التحذير والإغراء، فكما لا تقول لمن كانت العقرب بقربه وهو عنها غافل: احذر العقرب أو عليك أن تحذر العقرب وإنما تسرع في تبليغه فتذكر المحذر منه بأسرع بيان قائلا: العقرب العقرب، وكذلك ههنا قد يقتضي المقام الإيجاز في الحديث، فتوجز في كل شيء حتى في حذف النون، فتقول لابنك الذي أدركه السفر العاجل مثلا: لا تك غافل أو ما أشبه ذلك.


(١) البرهان ١/ ٤٠٧ - ٤٠٤

<<  <  ج: ص:  >  >>