للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاء في (شرح الرضى على الكافية): "وأصل ما زال وبرح وما فتيء وما أفتأ وما انفك أن تكون تامة بمعنى ما انفصل، فتعدى بمن إلى ما هو الآن مصدر خبرها فيقال في موضع (مازال زيد عالمًا) (مازال زيد من العلم) أي ما انفصل منه، لكنها جعلت بمعنى (كان) دائما فنصبت الخبر نصب كان وإنما جعلت بعناه لأنه إذا لم ينفصل شخص عن فعل كان فاعلا له دائمًا، وكذا أصل برح ورام، أن يكونا تامين، بمعنى زال عن مكانه فيتعديان بانفسهما وبمن نحو، برخت بابك، ومن بابك، ورمت بابك، ومن بابك، واصل (ونى) قصر فكان الأصل أن يعدي بفي نحو (ما وني زيد في القيام) فجعل الثلاثة بمعنى كان دائما، لأنه إذا كان لا ينفصل عن الفعل، ولا يقصر فيه يكون فاعلا له دائمًا، وإنما أفاد دخول النفي على النفي دوام الثبوت، لأن نفي النفي إثبات.

وإذا قيدت نفي الشيء بزمان وجب أن يعم ذلك النفي جميع ذلك الزمان، بخلاف الإثبات، فإنك إذا قيدت إثبات الشيء بزمان لم يلزم استغراق الإثبات لذلك الزمان، إذا قلت، مثلا (ضرب زيد) كفى في صدق هذا القول وقوع الضرب في جزء من أجزاء الزمن الماضي، وأما قولك (ما ضرب) فإنه يفيد استغراق نفي الضرب بجميع أجزاء الزمن الماضي، وذلك لأنهم أرادوا أن يكون النفي والإثبات المقيدان بزمن واحد في طرفي نفيض، فلو جعل النفي كالإثبات مقيدًا بوقوعه أي وقوع النفي في جزء غير معين من أجزاء ذلك الزمان المخصوص، لم يكن يناقض ذلك الإثبات إذ يمكن كون الجزء الذي يقيد الإثبات به غير الجزء الذي يقيد به النفي فلا يتناقضان فاكتفى في الإثبات بوقوعه مطلقا ولو مرة وقصدوا في النفي الاستغراق، إذ استمرار الفعل أصعب، وأقل من استمرار الترك، فصار نحو ضرب كالموجبة الجزئية والسالبة الكلية اللتين تناقض أحداهما الأخرى. فتبين بهذا إن النفي يفيد التكرار على ما ذهب إليه اكثر الأصوليين فحصل من هذا كله إن نفي النفي يكون ايضا دائما، ونفي النفي يلزمه منه الإثبات فيلزم من نفي النفي إثبات، دائم وهو المقصود ..

<<  <  ج: ص:  >  >>