للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما اختصت آية الأعراف بزيادة العذاب عاجلا اختصت بزيادة التأكيد" (١).

ومما يوضح أيضا قوله تعالى: {فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما} [المائدة: ١٠٧]، وقوله: {أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم} [المائدة: ٥٢]، فأنت ترى أن جواب القسم الأول تلقى باللام وحدها، والثاني تلقى بأن واللام، وذلك لاختلاف القسمين، فإن في الثانية مبالغة في القسم بخلاف الأولى، ويدلك على ذلك قوله تعالى (جهد إيمانهم) فلما بالغوا في القسم بالغوا في التوكيد بخلاف القسم الأول.

يتضح من هذا أن التوكيد على درجات، ويؤتي به على قدر المقام فقد يكون المخاطب خالي الذهن، والكلام ليس فيه ما يدعو إلى الإنكار والتردد، فلا يؤكد الكلام عند هذا فإن مترددا أكد الكلام بحسب هذا التردد، جاء في (الإيضاح): "فإن كان المخاطب خالي الذهن من الحكم بأحد طرفي الخبر على الآخر والتردد فيه، استغني عن مؤكدات الحكم كقولك: جاء زيد وعمر وذاهب فيتمكن في ذهنه لمصادفته إياه خاليا.

وإن كان مقصور الطرفين مترددا في إسناد أحدهما إلى الآخر، طالبًا له حسن تقويته بمؤكد كقولك: لزيد عارف أو إن زيدًا عارف.

وإن كان حاكما بخلافه وجب توكيده بحسب الإنكار، فتقول (أني صادق) لمن ينكر صدقك ولا يبالغ في إنكاره، و (إني لصادق) لمن يبالغ في إنكاره" (٢).

وجاء في (دلائل الإعجاز): " روي عن ابن الأنباري أنه قال: ركب الكندي المتفلسف إلى أبي العباس وقال له: إني لأجد في كلام العرب حشوا، فقال له أبو العباس: في أي موضع وجدت ذلك؟ فقال: أجد العرب يقولون: عبد الله قائم. ثم يقولون إن عبد الله قائم. ثم يقولون: إن عبد الله لقائم. فالألفاظ متكررة والمعنى واحد.


(١) البرهان ٤/ ٦٥ - ٦٦
(٢) الايضاح ١/ ١٨، البرهان ٢/ ٣٩٠ - ٣٩١، ابن يعيش ٨/ ٦٣

<<  <  ج: ص:  >  >>