للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاستغراق الدالة عليه من ولا النافية للجنس بخلاف سورة سبأ التي كان الكلام فيها على الساعة.

فإذا أريد تأكيد منفي وإعطاؤه أهمية، جيء بـ (لا) الاستغراقية دون المنفي الآخر وذلك كأن تقول: (لاعدوان ولا إكراهٌ) أو تقول: (لا عدوانَ ولامسٌ بسوء) و (لا قتلَ ولا إيذاءٌ) فأنت تؤكد أحد المنفيات دون الآخر بحسب قصد المتكلم، وجعلوا من هذا الضرب قراءة من قرأ (لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) جاء في (التفسير الكبير): "أما الذين قرأوا الأولين بالرفع مع التنوين والثالث بالنصب (١)، فذلك يدل على أن الاهتمام بنفي الجدال أشد من الاهتمام بنفي الرفث، والفسوق، وذلك لأن الرفث عبارة عن قضاء الشهوة والجدال مشتمل على ذلك" (٢).

وقد يكون الاختلاف سببه اختلاف المعاني كأن تكون واحدة للنفي والأخرى للنهي.

جاء في (الكشاف) في هذه القراءة: " وقرأ أبو عمرو وابن كثير الأولين بالرفع، والآخر بالنصب لأنهما حملا الأولين على معنى النهي كأنه قيل: فلا يكونن رفث ولا فسوق، والثالث على معنى الاخبار بانتفاء الجدال كأنه قيل: ولا شك ولا خلاف في الحج. وذلك أن قريشًا كانت تخالف سائر العرب، فتقف بالمشعر الحرام وسائر العرب يقفون بعرفة، وكانوا يقدمون الحج سنة ويؤخرونه سنة، وهو النسيء، فرد إلى وقت واحد ورد الوقوف إلى عرفة، فأخبر الله تعالى أنه قد ارتفع الخلاف في الحج، واستدل على أن المنهي عنه هو الرفث والفسوق دون الجدال بقوله صلى الله عليه وسلم (من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج كهيئة يوم ولدته أمه) وإنه لم يذكر الجدال" (٣).

فجعلوا التعبيرين الأولين للنهي، والثالث للنفي، فخالف ما بين ذلك للإشارة إلى اختلاف المعاني.


(١) كذا والأولى أن يقول: بالفتح
(٢) التفسير الكبير ٥/ ١٧٩
(٣) الكشاف ١/ ٢٦٣ - ٢٦٤، بديع القرآن ٣٣٨ - ٣٣٩، التفسير الكبير ٥/ ١٧٩

<<  <  ج: ص:  >  >>