للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإذ قد عرفت الحكم في الابتداء بالنكرة في الاستفهام، فإن الخبر عليه، فإذا قلت: (رجل جاءني) لم يصلح حتى تريد أن تعلمه أن الذي جاءك رجل لا امرأة، ويكون كلامك مع من قد عرف أن قد أتاك آت، فإن لم ترد ذاك كان الواجب أن تقول: (جاءني رجل) فتقدم الفعل (١).

٨ - ويتضح الفرق بين التقديم والتأخير في النفي والاستفهام، فلو قلت مثلا (ما سعى محمد في حاجتك) لكنت نفيت السعي عن محمد ولم تثبته لغيره، ولو قلت: (ما محمد سعى في حاجتك) لكان المعنى أنك نفيت السعي عن محمد وأثبته لغيره، أي ليس محمد هو الساعي في حاجتك ولكن الذي سعى غيره، ولذا لا يصح أن تقول: (ما محمد سعى في حاجتك ولا غيره) لأنه تناقض فإنك بقولك (ما محمد سعى في حاجتك) أثبت السعي لغيره أي لم يسع محمد، ولكن سعى غيره، فكيف تقول بعد: ولا غيره؟ بخلاف ما لو قلت: (ما سعى محمد في حاجتك ولا غيره) فإنك نفيت السعي أصلا. جاء في (البرهان): "فإذا قلت: ما ضربت زيدًا كنت نافيا للفعل الذي هو ضربك إياه. وإذا قلت: (ما أنا ضربته) كنت نافيا لفاعليتك للضرب.

فإن قلت: الصورتان دلتا على نفي الضرب فما الفرق بينهما؟ قلت من وجهين: أحدهما ان الأولى نفي ضربا خاصا وهو ضربك إياه، ولم تدل على وقوع ضرب غيرك ولا عدمه، إذ نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم ولا ثبوته.

والثانية نفت كونك ضربته ودلت على أن غيرك ضربه بالمفهوم" (٢).

ونحو هذا أن تقول: (أأعطاك محمد الكتاب)؟ فأنت تسأل أحصلَ هذا الأمر، أي هل حصل إعطاء؟ ولو قلت (أمحمدٌ أعطاك الكتاب) لكان السؤال عمن أعطاك الكتاب أهو محمد؟ فالإعطاء قد حصل في الجملة الثانية أي أن السائل يعلم أن شخصا أعطاه الكتاب، ولكن عنده شك في المعطي، فسأل عنه أهو محمد.


(١) دلائل الإعجاز ١٠٩
(٢) البرهان ٢/ ٣٧٥

<<  <  ج: ص:  >  >>