للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحوه أن تقول (لا تعبد إلا الله) و (لا تعبد غير الله) فالمطلوب في الأولى عبادة الله وحده، والثانية قد تكون بمعنى الأولى وقد تكون لمعنى آخر، وهو النهي عن عبادة غير الله، وغير الله الصنم والحجر وغيرهما، فكأنه قال في الجملة الثانية: لا تعبد الصنم لا تعبد الحجر لا تعبد الشجر ونحوه، فالأولى طلب العبادة لله وحده، والثانية نهي عن عبادة غير الله، وعبادة الله مفهومه من المخالفة.

جاء في (الإيضاح): " واعلم أن حكم (غير) حكم (إلا) في إفادة القصرين، أي قصر الموصوف على الصفة، وقصر الصفة على الموصوف" (١).

والحقيقة أنها لا تفيد ما تفيده (إلا) تماما فـ (إلاّ) تفيد القصر نصًا، أما (غير) فتفيد القصر تضمنا، فقولك (لا تعبد إلا الله) أفاد الحكم، وهو الأمر بعبادة الله نصا صريحا، وأما قولك (لا تعبد غير الله) فهو نهي عن عبادة غير الله، ومضمونه الأمر بعبادة الله. إن قولك (ما دخلها إلا خائفا) يختلف عن قولك (ما دخلها غير خائف) ففي الجملة الأولى أثبت الدخول له خائفا، وفي الثانية نفيد الدخول غير خائف، أما الدخول خائفا فقد سكت عنه وهو مفهوم من مضمون الجملة، جاء في (شرح ابن يعيش): " فأصل (غير) أن يكون وصفا والاستثناء فيه عارض معار من (إلا) ويوضح ذلك ويؤكده، أن كل موضع يكون فيه (غير) استثناء يجوز أن يكون صفة، وليس كل موضع يكون فيه صفة يجوز أن يكون استثناء، وذلك نحو قولك (عندي مائة غير درهم) إذا نصبت كانت استثناء، وكنت مخبرا، ان عندك تسعة وتسعين درهما، وإذا رفعت كنت قد وصفته بأنه مغاير لها، وتقول عندي درهم غير زائف، ورجل غير عاقل، فهذا لا يكون فيه (غير) إلا وصفا لا غير، لأن الزائف ليس بعضا للدرهم، لا العاقل بعض الرجل.

والفرق بين (غير) إذا كانت صفة وبينها إذا كانت استثناء، أنها إذا كانت صفة لم توجب للإسم الذي وصفته بها شيئا، ولم تنف عنه شيئا لأنه مذكور على سبيل التعريف فإذا قلت: (جاءني رجلٌ غيرُ زيد) فقد وصفته بالمغايرة له وعدم المماثلة، ولم تنف عن


(١) الإيضاح ١٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>