للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المجاوزة بمعنى عن: وجعلوا منه قوله تعالى: {فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله} [الزمر: ٢٢]، وقوله: {ياويلنا قد كنا في غفلة من هذا} [الأنبياء: ٩٧] (١). بدليل قوله تعالى: {ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم} [النساء: ١٠٢]، وقيل هي فيهما ابتدائية.

والراجح أنها في الآية الأولى للتعليل أي من أجل ذكر الله، لأنه إذا ذكر قست قلوبهم (٢). وهي كقوله تعالى: {وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم} [التوبة: ١٢٥]، وقوله: {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة} [الزمر: ٤٥] فذكر الله سبب لاشمئزازهم.

وأما الآية الثانية فليست بمعنى (عن) والله أعلم، فإن ثمة فرقا بين الايتين، فقوله تعالى: {ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم} [النساء: ١٠٢]، يفيد أن الغفلة عارضة و (عن) للمجاوزة، وذلك أن هؤلاء في ساحة القتال، وهم متهيئون له، معهم أسلحتهم وأمتعتهم ولكن يود الذين كفروا غفلة عن الأسلحة والأمتعة فيميلون عليهم.

وأما الفغلة في قوله تعالى: {ياويلنا قد كنا في غفلة من هذا} [الأنبياء: ٩٧]، فهي غفلة ابتدائية لازمة لا عارضة، أي هم في غفلة دائمة، فلم يستعدوا للآخرة كما استعد أولئك للقتال، فغفلة هؤلاء ابتدائية ملازمة، ومثله قوله تعالى: {لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} [ق: ٢٢]، ولم يقل (عن هذا) لأن الإنسان في غفلة من عالم الغيب ملازمة له من حيث ولادته إلى أن يموت، فينكشف عنه عند ذاك الغطاء وتزول الحجب فيبصر ما لم يكن يبصر، ويرى ما لم يكن يرى، فالغفلة ابتدائية وذلك أن بينهما حجابًا، ابتداء من هذا الأمر، أو ذاك.

وقيل: هي في هذه الآية للابتداء، لتفيد أن ما بعد ذلك من العذاب أشد، كأن هذا


(١) المغني ١/ ٣٢١
(٢) المغني ١/ ٣٢١

<<  <  ج: ص:  >  >>