للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكة، وإنما جازا معا، لأنك إذا قلت (فلان بموضع كذا وكذا) فقد خبرت عن اتصاله والتصاقه بذلك الموضع، وإذا قلت (في موضع كذا) فقد خبر بـ (في) عن احتوائه إياه وإحاطته به" (١).

فالباء للملاصقة والاقتران، و (في) للاحتواء، قال تعالى: {ينفقون أموالهم بالليل والنهار} [البقرة: ٢٧٤]، وقال: {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار} [الأنعام: ٦٠]، فجاء بالباء لأن الانفاق مقترن بوقت الليل والنهار، وكذلك التوفي، بخلاف قوله تعالى: {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل} [الحج: ٦١]، فإنه جاء بـ (في) لإرادة التضمن والاحتواء والدخول، فقد جعل النهار ظرفا لليل، والليل ظرفا للنهار، كأنه يحتويه، أي يدخل فيه فلما كان كذلك جاء بـ (في) بخلاف ما مر فإن التوفي لايدخل في الليل، ولا الانفاق، وإنما يقترن الفعل بهذا الوقت، فجاء بالباء لإرادة المصاحبة والاقتران وجاء بـ (في) للتضمن والاحتواء.

ونقول: (نزل بالبئر) و (نزل في البئر) فالأولى على معنى أنه نزل بقربها كما تقول: أكلنا بالعين وشربنا بها أي أقمنا بقربها، فإن أردت النزول في داخلها فلا تقول إلا (نزل في البئر) فالباء للملاصقة و (في) للاحتواء.

ونقول (هو ينفق الماء بالليل) و (هو ينفق المال في الليالي الحمراء) فإن معنى الأولى أن وقت الانفاق هو الليل، أي يقترن الحدث بهذا الوقت وبصاحبه، وأما الثانية فعلى معنى أنه يذهبه في الفسوق، فجعل الليالي وعاء يرمي فيه المال.

فـ (في) تفيد الولوج والتضمن، وأما الباء فللاقتران، والمصاحبة والملاصقة.

وأما (على) فقد جاءت للظرفية، في قوله تعالى: {ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها} [القصص: ١٥] أي في حين غفلة كما يقول النحاة.


(١) الأصول: ١/ ٥٠٥ - ٥٠٦

<<  <  ج: ص:  >  >>