للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتكون للتباين في الصفات وغيرها من غير قصد مهلة زمانية، بل ليعلم موقع ما يعطف بها وحاله، وأنه لو انفرد لكان كافيا فيما قصد فيه، ولم يقصد في هذا ترتيب زماني، بل تعظيم الحال فيما عطف عليه وتوقعه وتحريك النفوس لاعتباره (١).

وجاء في (الكشاف) في قوله: {كتاب أحكمت أياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} [هود: ١٢]، فإن قلت: ما معنى ثم؟

قلت: ليس معناها التراخي في الوقت، ولكن في الحال، كما تقول هي محكمة أحسن الأحكام ثم مفصلة أحسن التفصيل، وفلان كريم الأصل ثم كريم الفصل (٢).

وجاء فيه في قوله تعالى: {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها} [السجدة: ٢٢]، " ثم في قوله (ثم أعرض عنها) للإستبعاد والمعنى لأن الأعراض عن مثل آيات الله في وضوحها وأنارتها وإرشادها إلى سواء السبيل والفوز بالسعادة العظمي بعد التذكير بها مستبعد في العقل والعدل، كما تقول لصاحبك: (وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها) استبعادا لتركه الانتهاز ومنه (ثم) في بيت الحماسة:

لا يكشف الغماء إلا ابن حرة ... يرى غمرات الموت ثم يزورها

أستبعد أن يزور غمرات الموت بعد ان رآها واستيقنها وأطلع على شدتها (٣). قال تعالى: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب} [النساء: ١٧]، فلو كان المقصود بـ (ثم) التراخي في الزمان لتناقض ذلك مع قوله تعالى: {ثم يتوبون من قريب} ولكنها دخلت لبعد ما بين الحالين: عمل السوء والتوبة من قريب.

وقال صلى الله عليه وسلم: " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل"


(١) البرهان ٤/ ٢٦٦
(٢) الكشاف ٢/ ٩٠
(٣) الكشاف ٢/ ٥٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>