للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تاركا للأول. فـ (بل) تخرج من غلط إلى استثبات ومن نسيان إلى ذكرن و (أم) معها ظن أو استفهام واضراب عما كان قبله ..

فأما قول الله عز وجل: {ألم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه} [السجدة: ١ - ٣]، وقوله: {أم تسألهم أجرا} وما كان مثله نحو قوله عز وجل: {أم اتخذ مما يخلق بنات} [الزخرف: ١٦]، فإن ذلك ليس على جهة الاستفهام، لأن المستخبر غير عالم، إنما يتوقع الجواب فيعلم به، والله عز وجل منفي عنه ذلك، وإنما تخرج هذه الحروف في القرآن مخرج التوبيخ والتقرير (١).

وجاء في (شرح ابن يعيش): " فإنما قيل لها منقطعة، لأنها انقطعت مما قبلها خبرا كان او استفهاما إذا كانت مقدرة بـ (بل) والهمزة على معنى (بل كذا) وذلك نحو قولك فيما كان خبرا (إن هذا لزيد أم عمرو) كأنك نظرت إلى شخص فتوهمته زيدًا فأخبرت على ما توهمت. ثم أدركك الظن أنه عمرو فانصرفت عن الأول، وقلت (أم عمرو) مستفهما على جهة الإضراب، ومثل ذلك قول العرب (أنها لإبلٌ أم شاء) أي (بل أهي شاء)، فقوله (انها لإبلٌ) أخبار وهو كلام تام وقوله (أم شاء) استفهام عن ظن وشك عرض له بعد الأخبار. فلابد من إضمار هي لأنه لا يقع بعد (أم) هذه إلا الجملة لأنه كلام مستأنف إذ كانت (أم) في هذا الوجه تعطف جملة على جملة إلا أن فيها إبطالا للأول، وتراجعا عنه من حيث كانت مقدرة بـ (بل) والهمزة على ما تقدم، فـ (بل) للإضراب عن الأول والهمزة للاستفهام عن الثاني وليس المراد أنها مقدرة بـ (بل) وحدها ولا بالهمزة وحدها لأن ما يقع بعد (بل) متقق وما بعد (أم) مشكوك فيه مظنون، ولو كانت مقدرة بالألف وحدها لم يكن بين الألو والآخر علقة، والدليل على أنها ليست بمنزلة (بل) مجردة من معنى الإستفهام قوله تعالى: {ام اتخذ مما يخلق بنات} [الزخرف: ١٦]، وقوله تعالى: {أم له البنات ولكم البنون} [الطور: ٣٩]، إذ يصير ذلك متحققا تعالى الله عن ذلك (٢).


(١) المقتضب ٣/ ٢٨٨ - ٢٩٢
(٢) شرح ابن يعيش ٨/ ٩٨

<<  <  ج: ص:  >  >>