للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الباب الثامن (في الاستفهام)]

وفيه أربعة فصول:

[الفصل الأول: في تعريفه]

الاستفهام: معنى من معاني الكلام الأوّل، كالأمر والنهي والدعاد والخبر الذي هو نقيضه، فإذا صدر ممّن يجهل ما سأل عنه قيل له «استفهام واستخبار، واستعلام، واسترشاد» ونحو ذلك من المعاني التي يطلب بها الإنسان معرفة ما لا يعرفه كقولك: أزيد في الدار؟ وأقام عمرو؟ وأنت جاهل بكون زيد في الدار وبقيام عمرو، فإن صدر الاستفهام عن عالم بالشيء المستفهم عنه سمي تقريرا، وتثبيتا، وتنبيها، وإنكارا، وتوبيخا.

تقول في التقرير (١) - لمن أحسنت إليه -: ألم أحسن إليك، ألم أكرمك؟

ومنه قوله تعالى: * أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى * (٢).

وقول جرير:

ألستم خير من ركب المطايا (٣).

وتقول في التثبيت: أزيد يفعل هذا؟، ومنه قوله تعالى: * أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ * (٤) وقد علم الله تعالي أن عيسى - عليه السّلام (٥) - لم يقل ذلك، وإنّما قاله؛ تثبيتا للحجّة على أمته.

وأمّا التنبيه فكقوله تعالى: * وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى * (٦) لمّا أراد أن يقلبها حيّة، نبّهه عليها قبل أن يقلبها ليراها عصا قبل القلب.


(١) التبصرة والتذكرة (١/ ٤٧٤).
(٢) سورة الأعراف (١٧٢).
(٣) صدر بيت، وعجزه:
وأندى العالمين بطون راح.
وهو من قصيدة لجرير بن عطية يمدح بها عبد الملك بن مروان، مطلعها:
أتصحو أم فؤادك غير صاح ... عشية همّ صحك بالرواح.
(ديوان جرير: ١/ ٨٧، ٨٩).
قوله (المطايا): جمع مطية، وهي الناقة السريعة.
(أندى): أكثر جودا. (راح): جمع راحة وهي الكف.
والبيت في كثير من كتب اللغة والنحو، ومنها: الأمالي الشجرية (١/ ٢٦٥)، التبصرة والتذكرة (١/ ٤٧٤)، الخصائص (٢/ ٤٦٣)، شرح أبيات المغني (١/ ٤٧)، شرح المفصل (٨/ ١٢٣)، مجاز القرآن (١/ ٣٦)، المصون (٢١)، معاني القرآن - للأخفش (١/ ٥٦)، المغني (٥٠).
(٤) سورة المائدة: ١١٦.
(٥) ب: عليه وسلم. وفي الهامش: صلّى الله عليه وسلّم. وفوقه تعليق آخر يقول: في الأصل: عليه السّلام.
(٦) سورة طه (١٧).