للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا كثير في كلامهم، وأكثر ما رأيته جاء في الحديث (١).

وأمّا «أم»: فكذلك قد تقدّم الكلام عليها في باب العطف (٢)، فإذا قلت:

سواء عليّ أقمت أم قعدت؟ كان محمولا على المعنى، إذ ليس في الجملة عائد، وإنّما تقدّر الجملتان تقدير مفردين مبتدأين، وسواء خبرهما.

وقال الفارسيّ: سواء مبتدأ والجملة بعده خبره (٣).

وكذلك إذا قلت: ما يضرني أجئت أم ذهبت، وما أدري أقمت أم قعدت.

فيضرني بغير فاعل، وأدري بغير مفعول.

وأمّا هل: فإنها تفارق الهمزة بأنّك مع الهمزة تكون مثبتا أحد الأمرين في قولك: أزيد عندك؟ فقد هجس في نفسك أنّه عنده، فأردت أن تستثبته، ومع «هل» فلست مثبتا ولا نافيا، ولا أحد الأمرين أرجح عندك من الآخر، وقد ترد «هل» بمعنى «قد (٤)» إذا جاءت من عالم بما سأل عنه، وكان بعدها فعل كقوله تعالى: * هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ... * (٥)، وكقول الشاعر:


(١) ورد في صحيح البخاري (٢/ ٩): (عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أتاني آت من ربي فأخبرني أو قال: بشّرني، أنه من مات من أمّتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة، قلت:
وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق). اي: أو إن زنى. وفي صحيحه أيضا (٢/ ٢٤٠): (عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي - صلّى الله عليه وسلّم - فقال: يا رسول الله إنّ أمّي ماتت وعليها صوم شهر فأقضيه عنها؟ قال: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى). أي: أفأقضيه.
(٢) ١/ ٣٧٢ - ٣٧٣.
(٣) الحجّة للفارسي (١/ ٢٠٠ - ٢٠٤)، الغرة لابن الدهان (٢/ ٢٨٠ آ).
(٤) انظر الكتاب (١/ ٤٩٢)، والمقتضب (١/ ٤٣)، ومعاني القرآن للفراء (٣/ ٢١٣)، وتفسير القرطبي (١/ ١١٦)، والأصول (٢/ ٢١٥)، واللمع (٢٢٩)، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (٤/ ١٨٠ ب)، والأزهية في علم الحروف (٢٠٨)، ورصف المباني (٤٠٧)، والخصائص (٢/ ٤٦٢)، وإعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم (٦٤)، ومجاز القرآن (٢/ ٢٧٩)، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة (٥٠٢).
وزعم الزمخشريّ أنها أبدا بمعنى قد. انظر: الكشاف (٤/ ١٩٤)، والمفصل (٣١٩).
(٥) سورة الإنسان (١).