للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد جاءت فى الشّعر معملة مع الفصل وتقدّم الخبر، قال الفرزدق (١):

فأصبحوا قد أعاد الله دولتهم ... إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر

وقال الآخر (٢):

وما الدّهر إلّا منجنونا بأهله ... وما صاحب الحاجات إلّا معذّبا

وقد تأوّلوا ذلك تأويلا بعيدا. (٣)

الحكم الثّانى: تدخل الباء فى خبرها، كما دخلت فى خبر" ليس" فتقول ما زيد بقائم، وما زيد بآكل طعامك، وما زيد طعامك بآكل، فإن قلت:

ما طعامك زيد بآكل، لم يجز؛ للفصل بين العامل والمعمول، وقد منع الفارسىّ من دخول الباء (٤) على خبرها، فى لغة تميم، وهى فى أشعارهم موجودة.


(١) ديوانه ١/ ٨٥.
وهو من شواهد سيبويه ١/ ٦٠، وانظر أيضا: المقتضب ٤/ ١٩١ والمغني ٨٢، ٣٦٣، ٥١٧، ٦٠٠ وشرح أبياته ٢/ ١٥٨ والخزانة ٤/ ١٣٣.
(٢) قال السّيوطى فى شرح شواهد المغنى ٢/ ٢٢٠: إنه بعض بنى سعد.
وانظر: المحتسب ١/ ٣٢٨ والضرائر والمقرّب ٧٥، ١/ ١٠٣ والمغنى ٧٣ وشرح أبياته ٢/ ١١٦ والخزانة ٤/ ١٣٠.
المنجنون: الدّولاب الذى يستقى عليه، وهو مؤنّث.
(٣) ومن تأويلاتهم لبيت الفرزدق: أن مثلهم" ليس خبرا ل" ما" وإنما خبر للمبتدأ مرفوع، لكنّه بنى على الفتح؛ لاضافته إلى مبنىّ؛ لأنّ المضاف إذا كان مبهما ك" غير" و" مثل" و" دون" وأضيف إلى مبنيّ، كقوله تعالى:" إنّه لحقّ مثل ما أنكم تنطقون" بفتح" مثل" انظر: شرح
أبيات المغنى ٢/ ١٥٩ - ١٦٠.
ومن تأويلاتهم لقوله: وما الدهر إلا منجنونا ... : أنّ الأوّل أصله: وما الدّهر إلا يدور دوران منجنون، و" يدور" خبر المبتدأ، فحذف هو والمصدر، وأقيم: منجنون" مقام المصدر.
أمّا الثّانى فأصله: وما صاحب الحاجات إلا يعذّب معذّبا. أى: تعذيبا، ف" يعذّب" خبر المبتدأ، فحذف وبقى مصدره؛ فلا عمل ل" ما" فى الموضعين. انظر: شرح أبيات المغنى ٢/ ١١٨.
(٤) انظر: الشعر ٤٤٣ - ٤٤٤.