للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والمتأخرين وكلامهم، فكان الأحسن أن يعطوا (١) المصدر هنا الحركة القوية، والمحبوب الحركة التي هي أخف منها. ومن هذا قولهم: (قَبْض) بسكون وسطه للفعل، و (قَبَض) بتحريكه للمقبوض، والحركة أقوى من السكون، والمقبوض أقوى من المصدر. ونظيره: (سَبْق) بالسكون للفعل، و (سَبَق) بالفتح للمال المأخوذ في هذا العقد. وتأمَّل قولهم: (دار دَوَرانًا، وفارت القدر فَوَرانًا، وغلت غَلَيانًا)، كيف تابعوا بين الحركات في هذه المصادر لتتابع حركة المُسمَّى، فطابق اللفظ المعنى. وتأمَّل قولهم: (حَجَر وهَواء) كيف وضعوا للمعنى الثقيل الشديد هذه الحروف الشديدة، ووضعوا للمعنى الخفيف هذه الحروف الهوائية التي هي من أخفِّ الحروف.

وهذا أكثر من أن يحاط به، وإنْ مَدَّ الله ﷿ في العمر وضعت فيه كتابًا مستقلًا إن شاء الله تعالى.

ومثل هذه المعاني يَسْتدعِي لطافة ذهن، ورقة طبع، ولا تتأتى مع غلظ القلوب، والرضى بأوائل (٢) مسائل النَّحو والتَّصريف دون تأمُّلها وتدبُّرها، والنظر إلى حكمة الواضع ومطالعة ما في هذه اللغة الباهرة من الأسرار التي تدق على أكثر العقول، وهذا باب ينبّه الفاضل على ما وراءه ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠)[النور: ٤٠]، وانظر إلى تسميتهم الغليظ الجافي (بالعُتُلِّ)


(١) وقع في (ب) (يعطوه) وهو خطأ.
(٢) وقع في (ب) (بأول).

<<  <  ج: ص:  >  >>