للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، وجلاؤه بالذكر، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء؛ فإذا تُرِك الذكرُ صَدِئ؛ فإذا ذُكِر جلاه.

وصدأُ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب، وجلاؤه بشيئين: بالاستغفار والذكر؛ فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته كان الصدأ متراكبًا على قلبه، وصداؤه (١) بحسب غفلته، وإذا صدئ القلب لم تنطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه، فيرى الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل؛ لأنه لما تراكم عليه الصدأ أَظْلَم، فلم تظهر فيه صور (٢) الحقائق كما هي عليه.

فإذا تراكم عليه الصدأ واسْوَدَّ، ورَكِبَه الرَّانُ، فَسَدَ تصوُّره وإدراكه، فلا يقبل حقًّا، ولا ينكر باطلًا، وهذا أعظم عقوبات القلب. وأصلُ ذلك من الغفلة، واتباع الهوى؛ فإنهما يطمسان نور القلب، ويعميان بصره.

قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (٢٨)[الكهف: ٢٨].

فإذا أراد العبد أن يقتدي برجل فلينظر: هل هو من أهل الذكر، أو هو من الغافلين؟ وهل الحاكم عليه الهوى أو الوحي؟؛ فإن كان الحاكم عليه هو الهوى، وهو من أهل الغفلة، وأمره فُرُطٌ = لم يَقْتَدِ به ولم يَتبعه؛


(١) (ح) و (ق): "وصداه".
(٢) (م): "صورة".

<<  <  ج: ص:  >  >>