للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالأيدي: القوةُ في أمر الله، والأبصار: البصائر في دين الله ﷿، فبالبصائر يُدْرَكُ الحق ويُعْرَف، وبالقوة يُتَمَكَّنُ من تبليغه وتنفيذه والدعوة إليه، فهذه الطبقة كان لها قُوّةُ الحفظ والفهم والفقه في الدين، والبصر بالتأويل، ففجَّرت من النصوص أنهار العلوم، واستنبطت منها كنوزها، ورُزِقَتْ فيها فهمًا خاصًّا، كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -وقد سُئل-: هل خصَّكم رسول الله بشيءٍ دون الناس؟ فقال: لا والذي فَلَق الحَبَّة وَبَرَأ النَّسَمَة، إلّا فهمًا يؤتيه الله عبدًا في كتابه (١).

فهذا الفهم هو بمنزلة الكلأ والعشب الكثير الذي أنبتته الأرض، وهو الذي تميزت به هذه الطبقة (٢) عن:

الطبقة الثانية: فإنها حفظت النصوص، وكان هَمُّها حفظها وضبطها، فوردها الناس وتَلَقَّوْها منهم، فاستنبطوا منها، واستخرجوا كنوزها،


(١) أخرجه البخاري (٣٠٤٧).
(٢) عبَّر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن هذه الطبقة الأولى في موضعٍ آخر بقوله -في "قاعدة شريفة في تفسير قوله ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا﴾ " (١/ ١٢٨ - جامع المسائل) -: "وإنّما القسم الأول من شرب قلبهُ معناه [أي: القرآن]، فأثّر في قلبه كما أثّر الماء في الأرض التي شربته، فحصل له من ذوق طعم الإيمان، ووجد [مِنْ] حلاوته ومحبة الله وخشيته والتوكّل عليه والإخلاص له، وغير ذلك من حقائق الإيمان الذي يقتضيها الكلام (كذا)، فهؤلاء كالطائفة التي قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، ولابُدّ أن يظهر ذلك على جوارحهم كما يظهر الكلأ والعشب".
ثمّ بيّن مدلول لفظ "الفقه" و"الفقيه" في عرف السلف.
وانظر: "درء التعارض" (٧/ ٢٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>