للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدعاء المجرد، فإِن انضاف إلى ذلك إخبار العبد بحاله ومسكنته، وافتقاره واعترافه كان أبلغ في الإجابة وأفضل؛ فإنه يكون قد تَوَسَّل إلى المَدْعُوِّ بصفات كماله وإحسانه وفضله، وعرَّض بل صَرَّح بشدة حاجته (١) وضرورته، وفقره ومسكنته، فهذا المُقْتَضِي منه، وأوصافُ المسؤول مُقْتَضِي من الله، فاجتمع المُقْتَضِي من السائل، والمُقْتَضِي من المسؤول في الدعاء، فكان أبلغ وألطف موقعًا، وأَتَمَّ معرفةً وعبودية.

وأنت ترى في الشاهد -ولله المثل الأعلى- أن الرجل إذا توسَّل إلى من يريد معروفه بكرمه وجوده وبِرِّه، وَذَكَرَ حاجته هو، وفقره ومسكنته؛ كان أعطف لقلب المسؤول، وأقرب لقضاء حاجته.

فإذا قال له: أنت جودك قد سارت به الركبان، وفضلك كالشمس لا ينكر (٢)، ونحو ذلك، وقد بلغت بي الحاجة والضرورة مبلغًا لا صَبْرَ معه، ونحو ذلك = كان ذلك أبلغ في قضاء حاجته من أن يقول ابتداءً: أعطني كذا وكذا.

فإذا عرفت هذا، فتأمل قول موسى ﵇ في دعائه: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ ﴿القصص: ٢٤﴾، وقول ذي النون ﵇ في دعائه: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧)


(١) (ت) و (م): "بشدة حاله".
(٢) (م) و (ح): "لا تنكر".

<<  <  ج: ص:  >  >>