للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت منازلهم عند الله تعالى.

فالوضوء بالماء البارد في شدة الحر عبودية، ومباشرة زوجته الحسناء التي يحبها عبودية، ونفقته عليها وعلى نفسه وعياله عبودية، هذا والوضوء بالماء البارد في شدة البرد عبودية، وتركُ المعصية التي اشتدَّتْ دواعي نفسه إليها من غير خوف من الناس عبودية، ونفقته في الضراء عبودية، ولكنْ فرقٌ عظيم بين العبوديتَيْن.

فمن كان عبدًا لله في الحالَيْن، قائمًا بحقه في المكروه والمحبوب، فذلك الذي يتناوله قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ [الزمر: ٣٦] وفي القراءة الأخرى (عباده) (١)، وهما سواء؛ لأن المفرد مضاف، فيعمُّ عموم الجمع.

فالكفاية التامة مع العبودية التامة، والناقصة مع الناقصة، فمن وَجَد خيرًا فليحمد الله، ومن وَجَد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه.

وهؤلاء هم عباده الذين ليس لعدوّه عليهم سلطان.

قال الله تعالى: ﴿إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [الحجر: ٤٢].

ولما علم عدوُّ الله إبليس أن الله تعالى لا يُسْلِم عباده إليه، ولا يُسَلِّطُه عليهم قال: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣)[ص: ٨٢، ٨٣]. قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا


(١) قرأ بها حمزة والكسائي. انظر: "السبعة" لابن مجاهد (٥٦٢)، و "التبصرة" لمكّي بن أبي طالب (٦٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>