للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا أقبل العبد على مخلوق مثله، وبينه وبينه حجاب، لم يكن إقبالًا ولا تقريبًا، فما الظن بالخالق ﷿؟!

وإذا أقبل على الخالق ﷿، وبينه وبينه حجاب الشهوات والوساوس، والنفسُ مشغوفةٌ بها، مَلأى منها، فكيف يكون ذلك إقبالًا وقد أَلْهَتْهُ الوساوس والأفكار، وذهبت به كلَّ مَذْهب؟!

والعبدُ إذا قام في الصلاة غار الشيطان منه، فإنه قد قام في أعظم مقام، وأقربِه، وأغيظِه للشيطان، وأشدِّه عليه، فهو يحرص ويجتهد كل الاجتهاد أن لا يقيمه فيه، بل لا يزال به يَعِدُه ويُمَنِّيه ويُنْسِيه، ويجلب عليه بخيله ورَجِلِه حتى (١) يُهوِّن عليه شأن الصلاة، فيتهاون بها، فيتركها.

فإن عجز عن ذلك منه، وعصاه العبد، وقام في ذلك المقام، أقبل عدو الله تعالى حتى يخطر بينه وبين نفسه، ويَحُول بينه وبين قلبه، فيذكِّره في الصلاة ما لم يكن يذكر قبل دخوله فيها، حتى ربما كان قد نسي الشيء والحاجة (٢)، وأَيِس منها، فَيُذَكِّره إياها في الصلاة؛ ليشغل قلبه بها، ويأخذه عن الله ﷿، فيقوم فيها بلا قلب؛ فلا ينال من إقبال الله تعالى وكرامته وقربه ما يناله المقبلُ على ربه ﷿، الحاضرُ بقلبه في صلاته، فينصرف من صلاته مثل ما دخل فيها، بخطاياه وذنوبه وأثقاله، لم تَخِفَّ عنه بالصلاة.


(١) "حتى" من (ح) و (ق).
(٢) (ت): "قد نسي الحاجة".

<<  <  ج: ص:  >  >>