للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أكره أن أتكلم في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن، فأخطئ" (١).

وكان نشوء هذا الفن في القرن الثاني الهجري على أيدي علماء اللغة ثم اضطلع به العلماء الذين كانوا بجانب تمكّنهم من اللغة مشاركين في علم الحديث والفقه، فأبدعوا في التأليف فيه، وكان أولهم أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي (٢٢٤ هـ). ثم تتابعت المصنّفات في هذا الفن، حتى أربى عددها - فيما بلغه علمنا - على مائة مصنف.

وقد وصل إلينا معظم أمهات هذا الفن - على نقص في بعضها - وطبع، وهناك كتب لا تزال مخطوطة، ومنها كتب جمل الغرائب لبيان الحق محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري من علماء القرن السادس الهجري.

ليس كتاب النيسابوري هذا من أصول هذا الفن، ولكن له مزية على نظائره من كتب المتأخرين. وهو أن مؤلفه استقى مادته من أصول كثيرة نص عليها في مقدمته. ومنها كتب الأوائل التي ضاعت فيما ضاع من تراث الإسلام، نحو كتب النضر بن شميل (٢٠٣ هـ) وقطرب (٢٠٦ هـ) وأبي عبيدة (٢١٠ هـ) والأصمعي (٢١٦ هـ) وأبي سعيد الضرير. ومن موارده كتاب لم أر من ذكره أو اقتبس منه ولا وقفت على ترجمة مؤلفه، وهو كتاب الأغفال لأبي بكر الحنبلي (٢). وقد وضع النيسابوري رموزًا لموارده ليثبتها قبل نقل الحديث وتفسيره منها. فهذا يعين على معرفة المادة التي احتوت عليها تلك الكتب الضائعة.

ثم رتّب النيسابوري كتابه على الموضوعات مثل الجوامع والمسانيد من كتب الحديث. وهو منهج لم يسبقه فيه إلا أبو عدنان السلمي من أصحاب أبي زيد الأنصاري (٢١٥ هـ) إذ رتّب كتابه على أبواب السنن.


(١) علوم الحديث: ٢٧٢.
(٢) ومن كتابنا هذا نقل حاجي خليفة عنوان الكتاب واسم مؤلفه في كشف الظنون: ١٣١.

<<  <   >  >>