للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما أمكن القوم إلا الفرار منه مع كثرتهم، فكان مقدمة لما قدر في سابق العلم من تولى إمارة المغرب فما رجع عنهم حتَّى أعطوه ثلاثة عشر فرسا التي أصاب فوارسها برميه، فحمل على كل فرس رجلا ممن اختار لمتابعته، ورجع في الحين واستقبل فاسا العليا ونزل أمامها فرآه رئيسها الدريدى من بعض بروج سورها، فسأل من هو؟ فأخبر به، فأرسل له في الحين دراهم نحو خمسة مثاقيل مع وسق من الشعير، وقال لرسوله إليه قل له: هذه عشاؤه يعنى الدراهم، وهذا علف دوابه يعنى الشعير، فليرتحل ولا يقيم عندنا قسطا.

فرحل مسرعا فوفد على رئيس يدعى الشيخ اللواتى، وكان يتفقر ويعظم نسبة الشرف فبالغ في إكرامه، فبينما هو مقيم عنده إذ رأى رجلا بهيئة من خيل وأتباع ومماليك وهو يصطاد كهيئة الملوك، فسأل من هو؟ فقيل له: ابن مشعل من يهود تازا، فتنحى سريعا وجعل السكين في فمه واستقبل الشيخ اللواتى، فلما رآه بادر إليه قائلا لبيك يا سيدى لبيك لا أعز عنك رقبة ولا مالا لأن ذلك عندهم علامة على تأكيد الاستعطاف في أخذ الثار إن ظلم أو شبه ذلك.

فاقترح عليه أن يهيئ له خمسمائة أو نحوها من إخوانه الأبطال ليفتك باليهودى غيرة منه جزاه الله خيرا على دين الله، فقال له: لا تخلف عنك واحد منهم أينما توجهت، فتواعد معهم أن يمروا خفية متفرقين ويلحقوا به دار اليهودى ابن مشعل، وهي على نحو نصف مرحلة من تازا شرقا في البيداء أو أزيد من ذلك، ثم تقدمهم إليها واستضاف اليهودى فأضافه وتبعه الأبطال فأحاطوا بالدار بعد أن أظلم الليل بحيث لم يشعر بهم أحد، وبحيث يتصل بهم إن احتاجهم واحتال حتَّى اتصل باليهودى في خلوته فبطش به وقتله وأدخل الرجال باحتيال صادف به مرامه.

فاستولى على دار اليهودى وأخذ منها أموالا كثيرة وذخائر نفيسة فنال ما قدر الله له من موعده، وسطعت في فلك السعادة منازل سعوده، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>