للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان لا يزال واقفا وقد طال وقوفه بما يزيد على ربع ساعة فاستأذنه الغزال بواسطة الترجمان في الانصراف إشفاقا عليه من طول الوقوف طالبا منه المسامحة على ما يحصل له من التعب الناشئ عن اقتباله لهم الموجب لوقوفه، ذاكرًا أن نفوس الولاة ليست كنفوس الناس، فانشرح لهذا الخطاب وجعل يضحك وينظر للأعيان الحاضرين متعجبا وشكره على كلامه، ثم طلب منه الإذن لوزيره في المفاوضة معهم في أمور منها ما أمرهم به السلطان، ومنها ما اقتضاه الحال، فأجابه إلى ذلك، وأمر وزيره بتعاهدهم ومباشرة أمورهم، وفوض له في ذلك، ثم انصرفوا عنه وقد أوصى أعيان دولته بكثرة التردد على السفارة صباح مساء، وكتب السفراء لدولهم يصفون حالة هذا الاقتبال الذى بهتوا له ولم يحصل لأحد مثله.

ومن الغد ذهبوا للسلام على الأمراء أولاد الملك الأربعة وأختهم بأمر من الملك، حيث طلبوا منه ذلك، ثم ساروا إلى أخ الملك لزيارته فتلقاهم بالرحب والسعة وأراهم بعض النفائس التي عنده، ثم انصرفوا من عنده، وفى آخر اليوم استدعاهم الملك لزيارة حدائق قصره ومشاهدة ما أعد فيه مما صنعه المهندسون في جريان المياه على صفة غريبة، وكانوا ينتزهون بتلك الحدائق كثيرا بأمر الملك، كلما ذهبوا إليها تلقاهم أخوه وأولاده وبنته بالبشاشة والترحيب، كما أمر أن يروا معمل الزجاج والبلور.

ثم جاء للسفارة إعلام بلقاء الملك خارج المدينة صحبة الهدية السلطانية، فلما كان الوقت صارت للمحل فوجدت القوم قد اصطفوا هناك وتلقاها الوزراء الأربعة، ثم لم تلبث إلا والملك مقبل هو وأخوه في كدش تتبعه أكداش أخرى حاملة أولاده، فنزل من كدشية وأخذ بيد الغزال وهش وبش، وقال: إن هذا اليوم عنده أعظم عيد، وقدم إليهم اثنين من أولاده الصغار فنزعا قبعتهما وأعلنا بالدعاء للسلطان وبالحياة للسفير، فضمهما الغزال إليه فرحا بهما، ثم قدمت إليه الخيل

<<  <  ج: ص:  >  >>