للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له أدني علم بذلك الحادث الجلل، مع أنهم قتلوا العامل وثمانين من أصحابه كما في اختصار رحلة تومي الإنجليزي. بَلْ هشَّ، وبشَّ، وأَكرم، وعظم، وخص كل واحد على حدته بعطاء له بال، وأجري عليهم ببلادهم جرايات مشاهرة ومسانهة ورشح الفقيه السيد محمد المسكيني لقضاء فاس والطيب المريني لحسبتها ولعمالتها القائد محجوب العلج، ورجع الوفد الفاسي يرفل في حلل النشاط والانبساط بعد الخوف والقنوط، وفي اختصار رحلة تومي الإنجليزي التصريح بأن أهل فاس تأخروا عن البيعة، ولعله شيء تخرصه أو تأخر نسبي، وإلا فسياق أحواله يقتضي أنهم بادروا بالبيعة قبل غيرهم والله اعلم.

ثم وردت البيعات من سائر الأصقاع المغربية على الحضرة السلطانية وتلقي الوافدين على اختلاف طبقاتهم بكل بشاشة وطلاقة، وأحسن لكل فرد منهم على حدته، وأكرم مثواه، وأتبعه الكرامة حيث سار ورد كلا على منصبه الذي تركه فيه والده وأفاض المال ووصل سائر الرعية بصلات سنية فأحبته القلوب واطمأنت النفوس وابتهجت وفرحت الرعية واستبشرت.

ولما رأي العبيد أن الملك لازال قائما تسوسه ساساته المهرة الذين حنكتهم التجارب وأثمرت غروس الإخلاص والصدق للملك في قلوبهم ونبذهم مخازي الشهوة والأغراض الشخصية وراءهم ظهريا، طبق حال تنظيم المملكة أيام والد المترجم، أَظلم الجو في أعينهم حيث حيل بينهم وبين ما يشتهون من نهب بيوت الأموال، وجعل الإمرة أُلعوبة بين أيديهم وكبر ذلك عليهم، وعلموا أنه لا سبيل لتحصيلهم على أعراضهم الفاسدة ما دامت المناصب عامرة بأربابها ذوي النجدة والأفعال السديدة والآراء المصيبة والسياسة المؤسسة البنيان، على تقوي من الله ورضوان.

واتفق رأي كبرائهم على أن يوسوسوا للسلطان في أركان الملك ويختلفون لهم معايب يلصقونها بجنبهم ويدسون لهم دسائس حتى يوغروا قلب السلطان عليهم ويبالغون جهدهم وطاقتهم في إغرائه على قتلهم وتظافروا على ذلك: فصار

<<  <  ج: ص:  >  >>