للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معجم بيوغرافي واسع يشمل الساحة الثقافية للعالم الإسلامي والعثماني لهو دليل مهم على أن الثقافة العثمانية حافظت على حيويتها في ذلك العصر (١).

وقد توفي كاتب جلبي في سن التاسعة والأربعين، ومع ذلك فقد استطاع بكتبه التي أنجزها خلال تلك الحياة القصيرة مع كثرة عددها وتنوع موضوعاتها فضلًا عن محتواها وأصالتها أن يحتل مكانة متميزة في الأدبيات العثمانية والإسلامية. واستطاع كاتب جلبي بذهنه الوقاد وفكره النقاد وإحاطته الموسوعية وأعماله المنظمة التي تركها لنا أن يُتْحِفَ دنيا العلم ومن خلال منهج علمي لم يُدركه أحد في عصره بتراجم رجال برزوا في تاريخ الحضارة الإسلامية وأدبياتها. وقد حظيت تلك الأعمال باهتمام رجال العلم في الغرب منذ عهد مبكر، ولا يزال كل كتاب منها يحافظ على قيمته كمرجع لا يمكن الاستغناء عنه في بابه حتى اليوم.

كان كاتب جلبي يجيد التركية والعربية والفارسية، أي (الألسنة الثلاثة) بالمصطلح العثماني، ولهذا فقد استطاع بخبرته وبراعته العاليتين الاستفادة في تأليف أعماله من المصادر والمراجع المدونة بتلك اللغات الثلاث. فإلى جانب استخدامه الأوسع للغة التركية التي هي لغته الأم قد استفاد بكل يسر من اللغتين الأخريين عند الحاجة. ويدلنا اختياره للغة معينةٍ منها في تأليفه أو ترجمته لأحد الكتب على ماهية الهدف الذي قصده من ذلك الكتاب وعلى كتلة القراء التي أرادها له. ولسوف يبدو لنا عند الاطلاع على قائمة أعماله ماهية المسوغات في اختيار لغة معينة لتأليف كتابٍ معين.

ففي الأحوال التي رأى فيها ضرورة مخاطبة النخبة العثمانية وزمرة رجال الحكم في عاصمة الدولة استخدم اللغة التركية لكتابه، أي أنه استخدم اللغة التركية دائمًا وهو يضع أعماله الهامة في الجغرافيا، وأيضًا وهو يعبر عن آرائه في شئون الدولة والمجتمع، وكذلك وهو يضع كتبه المتعلقة بالتاريخ، سواء كان في تاريخ أوروبا أم كان في تاريخ الدولة العثمانية. وكان عند إعداده لأعماله يسعى للاستفادة من المصادر المعاصرة التي جاءت بالمعلومات والمعارف الحديثة التي تنير عقول الفئات التي يخاطبها وتتيح لها التعرف على تاريخها وتاريخ الأمم الأخرى المناهضة لها والتعرف من ثم على تاريخ وجغرافيا العالم،


(١) يصف الكاتب الأديب أحمد حمدي طاكبنار القرن السابع عشر "بأنه عصرنا الكلاسيكي الذي تشكلت فيه أذواقنا بكل تام" للمزيد من المعلومات أنظر:
Ahmet Hamdi Tanpinar, Saatleri Ayarlama Enstitusu, (Istanbul, ٢٠٠٨), S. ٢٦٢; a.g.y. Bes Sehir, (Istanbul, ٢٠٠١), s. ٨٥.
وهناك دراسة أخرى تنقد ذلك العصر على ضوء المصادر التي ظهرت فيه، أنظر:
Mehmet Oz, Kanun- i Kadimin Pesinde, Osmanh'da "Cozulme" ve Gelenekci Yorumlari (Istanbul , ٢٠٠٥

<<  <  ج: ص:  >  >>