للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"كتب التاريخ ضربان، ضرب يقع العناية فيه بذكر الملوك والسادات والحروب والغزوات وبناء البلدان وفتوحها والحوادث العامة كالأسعار والأمطار وانتقال الدول وتبدل الملل والنحل وأحوال أكابر الناس في المواليد والتهاني والتعازي، وضرب يكون القصد فيه بيان أحوال أهل العلم والقضاة وفضلاء الرؤساء والولاة وأهل المقامات الشريفة والسير المحمودة من أوقات ولادتهم ووفاتهم، وطرف من مقالاتهم ورواياتهم، وبهذا الضرب اهتمام علماء الحديث".

ويقدم لنا كاتب جلبي أيضًا معلوماتٍ موجزةً في موضوع التقاويم المختلفة المستخدمة في أدبيات التاريخ، ويضع إلى جانب ذلك جدولًا يوضح المراحل الزمنية بين "التواريخ والوقائع ". وهو جدول أخذه عن كتاب "المختصر" (١٠) للملك المؤيد أبي الفدا، ثم أضاف إليه بعض الإضافات.

ويقوم كاتب جلبي بعد ذلك ليشرح لنا بالتفصيل في مقدمته الأسس النحوية التي ترتكز عليها أسماء الأشخاص والأنساب والألقاب والكنى في اللغة العربية، فنراه يثبت لنا مقدرته الكبيرة في اللغة العربية وآدابها، فيتحدث هنا عن النظام الذي استخدمه لترتيب الأسماء في هذا المعجم البيوغرافي الكبير ذاكرًا المثال التالي (١١) نقلًا عن أبي الفرج المعافى بن زكريا النهرواني، فيقول: "حكى أبو الفرج المعافى بن زكريا النهرواني قال: حججت في سنة وكنت بمنى أيام التشريق فسمعت مناديًا ينادي: يا أبا الفرج، فقلت لعله يريدني لكن لم أجبه، فنادى يا أبا الفرج المعافى، فهممت بإجابته ثم قلت في الناس قد يوجد من اسمه المعافى وكنيته أبو الفرج فلم أجبه، فنادى يا أبا الفرج المعافى ابن زكريا فلم أجبه، فنادى بضم النهرواني فقلت لم يبق شك في مناداته إياي إذ ذكر كنيتي واسمي واسم أبي وبلدي، فقلت ها أنا ذا فلما رآني قال لعلك من نهروان الشرق فقلت نعم فقال نحن نريد نهروان الغرب فعجبت من اتفاق ذلك، ولهذا نرى كثيرًا من أهل العلم بالتاريخ لا يفرقون بين أمثال ذلك ويظنون الاثنين واحد وهو خبط عظيم". وبهذا المثال يوضح لنا كاتب جلبي ما هي المبادئ التي وضعها نصب عينيه وهو يكتب أسماء الأشخاص الذين ترجم لهم في كتابه، وكيف اندرجت تلك المبادئ ضمن قاعدة منتظمة.

ويؤكد كاتب جلبي في مقدمته على ضرورة احترام المعايير الموضوعية اللازمة عند كتابة التراجم، وهو يكشف عن حساسية كبيرة في هذا الموضوع، إذ يذكر أن كتب التاريخ تَغُصُّ


(١٠) كتاب: المختصر في أخبار البشر.
(١١) لعله نقل هذا من كتاب: "الجليس والأنيس" للمعافى بن زكريا (ت ٣٩٠ هـ / ١٠٠٠ م) (أنظر: شذرات الذهب ٤/ ٤٨٣؛ الأعلام ٧/ ٢٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>