للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيخرج عن ذلك قولك: أعجبني يومُ الجمعة، وأعجبني مكان زيدٍ؛ فإن اليوم والمكان ههنا ليسا بظرفين اصطلاحًا، وإن كان يومُ اسم زمان، ومكانُ اسمَ مكان؛ لأنهما يتضمنا معنى "في". فإذا تضمناه استحقّا اسم الظرفية، وكذلك كل ظرف استُعمِل استعمال الأسماء، وسُلِّط عليه من العوامل ما يتسلّطُ على سائر الأسماء، وسُلّط عليه من العوامل ما يتسلّط على سائر الأسماء من الرفع والنصب ولجر على غير معنى (في)؛ ذلك حيث لا يكون بينه وبين غيره من الأسماء فرق، فإذا قلت: جئت في شهر كذا إلى موضوع كذا، وأحببت عام كذا، وكرهت موضع كذا، وقعدت عن يمينك، وعن شمالك، وعرفت أن يوم الجمعة مبارك، وأن وسط الدار مُتَّسع، وما أشبه ذلك، فليس كل هذا بظرف؛ إذ لم يتضمّن معنى "في"، فإن قلتَ: جئت شهر كذا وقعدت موضع كذا، وقعدت يمينك أو شمالك يوم الجمعة، وأقعدتُكَ وسط الدار كانت هذه ظروفًا لتضَمُّنها معنى في. وقوله: "باطراد" فصل ثانٍ، وهو متعلّق بضُمِّنا يعني أنّ من شأن هذا التضمين المتعلّق بالظرف أنْ يكون مُطَّردًا في كل موضع لا يختصُّ به مكان دون آخر كيومٍ وليلةٍ وخلف وأمام، فإنك تقول: صحتبك يوم الجمعة، وأكرمتك يوم الجمعة، وجلست يوم الجمعة، وأضرب زيدًا يوم الجمعة، وقدوم زيدٍ يوم الجمعة، فيجري في الكلام كلّه، فكذلك: قعدت خلفك وقمت خلفك، وزيدٌ خلفك، ونحو ذلك، فلا يُقتصرُ به على موضع دون آخر. فإذًا كل ما كان من الأسماء يُضمَّن معنى "في" لكن على غير اطراد فليس بظرف، وذلك أنّ العرب تقول: مُطِرنا السهل والجبل، وضُرِبَ زيدٌ الظهرَ والبطنَ، فهذه على معنى في؛ لأنّ المعنى: في السهل والجبل، وضرب في الظهر والبطن، لكنها ليست

<<  <  ج: ص:  >  >>