للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

- صلى الله عليه وسلم -؟ فيقولون: نعم! فيفتح لهم. ثم يأتي على الناس زمانٌ فيغزو فِئَامٌ من الناس فيقال: هل فيكم من صاحبَ مَن صاحب أصحابَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فيقولون: نعم! فيفتح لهم". فإذا كان هذا مبلغ صحبة رسول الله، فأي مسلم يطيق بعد هذا أن يبسط لسانه في أحد من صحابة محمد رسول الله؟ وبأي لسان يعتذر يوم يخاصمونه بين يدي ربهم؟ وما يقول وقد قامت عليه الحجة من كتاب الله ومن خبر نبيه؟ وأين يفر امرؤ من عذاب ربه؟

وليس معنى هذا أن أصحاب محمد رسول الله معصومون عصمة الأنبياء، ولا أنهم لم يخطئوا قط ولم يسيئوا، فهم لم يدّعوا هذا، وليس يدّعيه أحدٌ لهم. فهم يخطئون ويصيبون، ولكنّ الله فضّلهم بصحبة رسوله، فتأدبوا بما أدَّبهم به، وحرصوا على أن يأتوا من الحق ما استطاعوا، وذلك حسبهم، وهو الذي أمروا به، وكانوا بعدُ توَّابين أوَّابين كما وصفهم في محكم كتابه. فإذا أخطأ أحدهم، فليس يحلُّ لهم، ولا لأحد ممن بعدهم، أن يجعل الخطأ ذريعةً إلى سبهم والطعن عليهم. هذا مجمل ما أدبنا به الله ورسوله. بيد أن هذا المجمل أصبح مجهولا مطروحًا عند أكثر من يتصدى لكتابة تاريخ الإسلام من أهل زماننا، فإذا قرأ أحدهم شيئا فيه مطعنٌ على رجل من أصحاب رسول الله سارع إلى التوغل في الطعن والسبِّ، بلا تقوى ولا ورع. كلا، بل تراهم ينسوْن كل ما تقضى به الفطرة من التثبت من الأخبار المروية، على كثرة ما يحيط بها من الريب والشكوك، ومن الأسباب الداعية إلى الكذب في الأخبار، ومن العلل الدافعة إلى وضع الأحاديث المكذوبة على هؤلاء الصحابة.

ولن أضرب المثل بما يكتبه المستشرقون ومن لف لفهم فهم كما نعلم. ولا بأهل الزيغ والضلال والضغينة على أهل الإسلام، كصاحب كتاب الفتنة الكبرى (١) وأشباهه من المؤلفين. بل سآتيك بالمثل من كلام بعض المتحمسين (٢) لدين ربهم، المعلنين بالذبّ عنه والجهاد في سبيله. لتعلم أن


(١) للدكتور طه حسين -رحمه الله-.
(٢) يعني الأستاذ سيد قطب، -رحمه الله-، في كتابه "العدالة الإجتماعية".