للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمن ذلك أن أبا العباس السفاح، وأبا جعغر المنصور أَخَوان وليا الخلافة العباسية لأول أمرها، وكان أبو العباس أصغر من المنصور بعشر سنين، وأن اسم أبي العباس وأبي جعفر في نسبهما هو "عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس"، فأبو العباس هو "عبد الله الأصغر"، وأبو جعفر هو "عبد الله الأكبر". فإذا كان ذلك كذلك، وأبو جعفر قد لقب بالمنصور وأن الذي لقبه بذلك أبوه فيما نعلم، فلا غَرْو أن يكون أبو العباس كذلك ملقبًا، وأن يكون أبوه قد لقبه كما لقب أخاه.

وإذا كان أبو العباس "عبد الله" هو الأصغر فالتلقيب هو أولى به للتفريق بينه وبين أخيه أبي جعفر "عبد الله" وهو الأكبر الذي ولد أولًا وسمى "عبد الله" من قبله، ويؤكد أمر هذا التلقيب سيرورته بعد في خلفاء بني العباس جميعًا إلى انقضاء دولتهم، فكأنه كان من "تقاليدهم" وتعاليمهم.

وأيضًا فإنه قد وردَ في الحديث عن أبي سعيد الخُدْري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يخرج منا رجل في انقطاع من الزمن وظهور من الفتن يقال له (السفاح) يكون عطاؤه للمال حَثْيًا"، وأئمة الحديث لا يصرفون هذا الاسم إلى أبي العباس، وإنما هو نبوءة كبقية النبوءات التي وردتْ في القرآن الكريم والحديث النبوي لا يدرى تأويلها إلا أن تكون. . .، ولكن الدعوة العباسية فيما يظهر قد جمعتْ بين هذا الحديث وأحاديث أُخر هي من باب النبوءات أيضًا وجعلت منها حديثًا اتخذته في الدعوة إلى إقامة الخلافة في بني العباس، فكانوا يروون للناس عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: "والله لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لأدال الله من بنى أمية، ليكونن منا السفاح والمنصور والمهدي"، وهم الخلفاء العباسيون الثلاثة على التتابع. ولا شك في أن هذا كان قبل قيام الدعوة بالفتح بزمن طويل. فلعل الإمام "محمد بن علي" قد لقَّب ولديه بهذين اللقبين تفرقة بينهما، وتفاؤلًا بالذي يروون في أحاديث الدعوة العباسية.

وإذا كان ذلك كذلك فمعنى اللقب إذن ليس من "سفح الدم" -وهو بهذا المعنى مجاز مقصورٌ لغرض بعينه- لكنه من الكرم والعطاء والبذل كما ورد في الحديث الذي سقناه آنفًا من أن "عطاء السفاح للمال حثْيًا" لأنه لا يصح في