للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من العسير على أن أضمن هذه الدقائق القليلة، قدرا كافيا من الحديث عن أهم ما يدور في العالم العربي والإسلامي. فإن هذا العالم قد مضى عليه أكثر من قرن كامل وهو يموج بالحركة ويغلى بالفكر، حتى تجمعت في هذه السنوات الأخيرة دلائل كثيرة على أن هذا العالم لن يهدأ حتى يحتل مكانته التي يستحقها بتراثه العظيم، وبمساحته المترامية الأطراف، وبسكانه الذين يزيد عددهم على ثمانمئة مليون من البشر، وبما أودع الله في أرضه من الذخائر والكنوز، ما استغل منها وما لم يستغل بعد -ولا يستطيع أحد أن يغمض عينيه عن قوة عالمنا هذا مرة أخرى، بعد المعركة التي هزت قواعد العالم الآخر، العالم المتفوق الذي كان يستغل غفلتنا منذ أكثر من قرنين، استغلالا لا شرف فيه ولا أمانة ولا رحمة ولا إنسانية. ومع ذلك فواجبنا نحن اليوم أن نعلم علم اليقين أن هذه القوة التي فاجأت العالم وهزته هزا عنيفا، لم يكن مصدرها تفوقنا نحن بحضارتنا الموروثة، على هذا النوع الغريب من الحضارة الممثلة في القوى الحربية والصناعية والعلمية التي يمتلك زمامها العالم الذي نسميه عالم المستعمرين. بل كل الذي حدث هو أننا استطعنا أن نستفيد فائدة جليلة من حركة الصراع بين القوى الكبرى في عالم الاستعمار، فاشترينا بأموالنا السلاح المتفوق من إحدى القوتين العظيمتين في العالم، لنواجه به سلاحا متفوقا أيضا يستمده عدونا من القوة الأخرى، ثم بلغنا درجة كاملة من حسن الاستعداد للمعركة، ومن دقة التوقيت لساعة اللقاء. هذه واحدة. أما الأخرى فهي أننا استطعنا أيضا بالجرأة والاتحاد أن نحبس عن عالم الاستعمار أهم مصدر من مصادر قوته وتفوقه، أو على الأصح، أهم مصدر من المصادر التي يعتمد عليها تفوقه الحربى والصناعى، وهو النفط. ومنذ عهد غير بعيد لم يكن في قدرتنا أن نفعل هذا الذي فعلناه، ولا أغالى إذا قلت أنه كان يعد ضربا من الأحلام التي لا مكان لها في عالم الحقيقة.

ورب قائل يقول، وهو صادق فيما يقول: إننا لم نصل إلى (شراء السلاح المتفوق) ولم نبلغ القدرة على (حبس النفظ) إلا بجهود متواصلة طويلة الأجل، بلغت غايتها من التدبير والحزم ومن الفكر والعزم، وبأسباب كثيرة من وسائل