للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تسود الناس، وفي الدراسة في جميع معاهد العلم العريقة، وفي التأليف والكتابة، وفي حياة الناس التي تعيش بها عامتهم وخاصتهم من تجارة وصناعة. كل ذلك كان نمطًا مألوفًا متوارثًا، فجاء هؤلاء الخمسة (١)، ليحدثوا يومئذ ما لم يكن مألوفًا، وشقوا طريقًا غير طريق الإلف. وبيان ذلك يحتاج إلى تفصيل، ولكني سأشير إليه في خلال ذكرهم إشارة تعين على تصور موضع الخلاف.

١ - "البغدادي"، ولد عبد القادر بن عمر البغدادي ببغداد "١٠٣٠ - ١٠٩٣ هـ - ١٦٢٠ - ١٦٨٣ م". وفي الثامنة عشرة من عمره، "سنة ١٠٤٨ هـ" خرج في إتمام طلب العلم، فرحل إلى الشام، ثم فارقها بعد سنتين "سنة ١٠٥٠ هـ" قاصدا مصر. فلقى بها العلماء وتلقى عنهم وصحبهم، واتسع اطلاعه على ذخائر الكتب القديمة التي لم يكن يعني بها علماء زمانه، وفي سنة ١٠٨٠ هـ، رحل إلى دار الخلافة بالقسطنطينية، لما فيها من ذخائر الكتب العربية التي حازتها، ولقى بها عالما جليلا، حاز مكتبة عربية من أجل المكاتب، وهو الوزير الأعظم أبو العباس أحمد بن أبي عبد الله محمد، المعروف بكوبرلى، ولا تزال مكتبته باقية بها إلى يومنا هذا، فأقام مع صاحبه سبع سنوات إلى أن عاد إلى مصر سنة ١٠٩٢ هـ ثم وافاه أجله في أوائل سنة ١٠٩٣ هـ.

كان طريق البغدادي واضحا. لم يكن في أيدى طلبة العلم سوى ما ألفوه من كتب الفقه والنحو والبلاغة وحواشيها، فأداه اطلاعه إلى معرفة الضعف الغالب على أهل زمانه، وهجرهم شعر الشعراء الفحول وأخبارهم وتاريخهم. فعمد إلى ما في كتب النحو التي يعرفونها من شواهد الشعر العربي القديم، جاهليه وإسلاميه، فألف ثلاثة كتب تدور كلها على شرح شواهد الشعر، وضمنها روائع الشعر، وأخبار الشعراء، ونوادر التاريخ. فكان ذلك مقدمة لبعث التراث الأدبى وإحيائه، ووضعه بين أيدى الناس .. تتبين ذلك واضحا في كتبه الثلاثة: "خزانة الأدب، ولُب لُباب لسان العرب" .. وهو شرح شواهد الكافية للرضى في النحو،


(١) تحدث الأستاذ شاكر عنهم أيضًا في "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا".