للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الذي يمكن أن يخلد في تاريخ الأدب، وقد تتبعت أقوال هؤلاء وأساليبهم فلم أجد إلا كل ما يحفزني على المصارحة والنصح وإبداء الرأي مكشوفا غير مكفَّن.

وأنا لو كنت أحمل نفسي على تتبع هؤلاء واحدًا بعد واحد أنقد أقوالهم على التفصيل دون الجملة، ثم أقيد ما أريد بالكتابة في هذا الباب من "الرسالة" لما كفاني القدر الذي أكتبه ولما استطعت أن أستوعب الرأي في كل ذلك على أسبوع أسبوع، فلذلك تجنبت جهدي أن أعرض لأشياء كانت تقتضيني أسابيع في تقصيها وتفصيل أجزائها، وبيان مكان الفساد منها، والدلالة على قلة عناية هؤلاء بقرائهم، وصغر احتفالهم بالأدب الذي اتخذوه لهم صناعة عرفوا بها عند الناس، حتى صاروا للشباب أئمة بهم يقتدون. نعم، وكأنهم لا يعرفون أن ما يخرجونه للناس إن هو إلا غذاء جيل من الشبان يأخذ عنهم ويحتذى عليهم، فإن يكن في الذي يأتون به فساد فهو إلى إفساد الشباب الجديد أسرع، وفي طبائعه اللينة أعمل وأوغل؛ فأيُّما خطأ صغير منهم فهو عدة أخطاء كبار في الذين يلونهم من الشباب المقلد المسكين.

إن أمثال الدكتور طه حسين والأستاذ أحمد أمين والدكتور زكي مبارك والأستاذ الزيات وفلان وفلان من كبار الأدباء هم من هذه الأمة الشابة من الناس بمنزلة السراج الذي يضئ للشباب معاني الحياة المظلمة بالجهل، فإذا انقلب السراج فإنما هو الحريق وانتشاره ومعمعته ومضغُه قوة الشباب بفكين من نارٍ حُطَمة.

[الرحلتان]

ويذكرني هذا ما يقطع عليّ نهاية الرأي. فقد قرأت أخيرًا مقالتين، إحداهما للدكتور طه، والأخرى للأستاذ أحمد أمين، وهما بهذا العنوان "رحلة". وقد تعود الأستاذان أن يتقارضَا المقالات منذ أسابيع طويلة، وأكثرا في ذلك إكثارًا لا يمكن أن يُغْضَى عنه، وكنتُ أحبُّ ألّا أعرضَ لَهُ لعلّه ينتهي إلى نهايته، فإذا هو شيء لا ينقطع. فمن يوم أن كتب الأستاذ أحمد أمين ما كتب وسماه "مدرسة الزوجات" وقارضه الدكتور طه "بمدرسة الأزواج" ثم "مدرسة المروءة" ثم