للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من دراساتهم في الآثار العربية، وما أرّخوه من تاريخ الإسلام، وتاريخ آرائه ومذاهبه العلمية والفلسفية.

[نشر الكتب العربية]

فالمستشرقون حين بدأوا فنشروا الكتب العربية القديمة لم يقَصِّروا في بذل المال والوقت لاستجلاب الأصول التي يطبعون عنها هذه الكتب، ثم يتفرغ أحدهم لمقارنة الأصول بعضها ببعض، وإثبات الاختلاف بين النسخ الكثيرة التي تقع لهم، وتحرير ذلك بالحرف والنقط والشكل على ما هو عليه في أصل من الأصول، وأمانتهم في إبقاء المحرّف على تحريفه والخطأ على صورته. . . إلى غير ذلك من الدقة والأمانة في إعطاء القارئ صورة كاملة في نسخة واحدة من الكتاب المطبوع لعدة نسخ مختلفة متباينة من الأصول المخطوطة. حتى إنهم ليثبتون في "الهامش أو الاستدراك" ما هو خطأ بيِّنٌ لا يصح على وجه من الوجوه، وإنما هو جهلُ ناسخٍ وإفسادُ كاتبٍ، ثم لا يعطونك رأيًا يرجِّحون به لفظًا على لفظ. . . وحتى إنهم ليثبتون الخطأ الصرف في صلب الكتاب ويكون صوابه في الاستدراك، وحجتهم في ذلك أنهم يعتمدون أقدم النسخ عندهم، يطبعونها كما هي، وأما اختلاف سائر النسخ فهو من حق المستدرك وإن كان هو الصواب الذي لا صواب غيره.

وهذا -على علاته- عمل جيد وأمانة صحيحة. ثم جاءتنا هذه المطبوعات في بلادنا على فترة جهل وإهمال، وعلى زمن كلُّ أصحاب المال الذين ينشرون الكتب فيه، إنما هم عامة لا يعنيهم إلا الربح من طبع الكتب حروفًا قد جُمع بعضها إلى بعض على غير نظام ولا تحرير ولا فن. فلما قارن بعضنا هذا بهذا ونحن عرب وهم أعاجم لا يعينهم من عربيتنا ما يجب أن يعنينا، انبثق بثق الفتنة، ومجد الناس همة هؤلاء المستشرقين الأعاجم -وحقَّ لهم- وجعل جماعةٌ ممن لُبِّس عليهم يدفعون القول بعد القول في تعظيمهم والمغالاة فيهم بغير الحق. . . ثم مضى ذلك وانسحب التبجيل على آرائهم في الفكر الإسلامي والتاريخ العربي كما انسحب على أعمالهم في نشر الكتب. . . وأين هذا من ذاك؟