للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الملاح التائه!]

أمّا "الملَّاح التائه" فذاك هو الصديق الشَّاعر المهندس "علي محمود طه"، وقد عاد بعد خمس سنوات فألقى على شاطئنا ديوانه الثاني "ليالي الملاح التائه" ثم نشر شراعه ومضى. وقد أحدث ظهور هذا الديوان الجديد -في معرضه الأنيق وشعره القوي الجميل- آثارًا في توجيه أنظار الناسِ إليه وإلى صاحبه ثم إلى الشِّعر خاصة، ثم اختلف الأدباء عليه بأحاديثهم وآرائهم، ولَغَوْا لغوًا كثيرًا في الأغراض التي اشتملتْ عليها ضفتا هذا الديوان الثاني في شعر "الملاح التائه". ونحن لن نعرض لشيءٍ مما قيل في ذلك إلا كما يدرج الكلام على أغراضه بالإشارة والتنبيه والبيان على مجاز السياق.

والشعر أيضًا!

ولابُدّ من أن نعود مرة أخرى للحديث عن الشعر عامةً، ليكون بعض الرأي فيه مدخَلًا للكلام عن "الملاح التائه"، فإن أكثر ما قيل -عن ديوان هذا الشاعر- إنما مردُّه إلى آراء فاسدةٍ في معنى الشِّعر، وما هو، وكيف هو؛ وإلى الجَهْل بطبيعة الشاعر وفطرته ومن أين تأتي، وأنى تتوجَّه، وكيف تجري به إلى أغراضِها على نِظام لا ينفَكُّ عنه أراد أو لم يُرِدْ.

وليس يشكُّ أحد أن الشِّعْر في أصله هو معانٍ يريدُها الشاعِرُ، وأن هذه المعاني ليست إلا أفكارًا عامّةً يشتركُ في معرفتها كثير من الناس، وأنها دائرةٌ في الحياة على صورتها التي تأخُذُها بها كل عينٍ، ويتداولُها من جهته كل فِكْرٌ، وأنها -إذ كانت كذلك- ليست شيئًا جديدًا في الحياة ولا في معانيها وأوصافها وحقائقها، وإنما تصيرُ هذه المعاني شعرًا حين يعرضُها الشاعر في معرضٍ من فنِّهِ وخياله وأدائِه ولفظه، فيجدد لك هذه المعنى تجديدًا ينقلها من المعرفة إلى الشعور بالمعرفة، ومن إدراك المعنى إلى التأثُّر بالمعنى، ومن فهم الحقيقة إلى الاهتزاز للحقيقة، فتجد المعنى القريب وقد نقلك الشاعر إلى أغواره الأبدية وأسراره العظيمة وكأنه قد خرج عن صورته التي ضُربت عليه في الحياة إلى السِّر