للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأزهر مثابة للعلم الإسلامي الصحيح، ولم يتخلف عن النصيحة له بما توحي به الرغبة الصادقة في تحريره من آصارٍ (١) قديمةٍ عاقته عن بلوغ غايته التي يحق له أن يبلغها. فقد وضع الأستاذ الأكبر من عشر سنين نِظامه الجديد للكليات في الأزهر وجعل أحد قسمي التخصص في هذه الكليات موقوفًا على مادة من مواد الشريعة أو اللغة أو الأدب أو التفسير والحديث أو المنطق والفلسفة أو الأخلاق والتاريخ وعلم النفس وما إلى ذلك. وأمدّ هذه الكليَّات العالية -في دراستها لما خصصت له- بالكتب الأصول المعتمدة في بابها ككتاب سيبويه، وخصائص ابن جنى، وسر صناعة الإعراب لابن جنى، وتصريف المازني، وكتاب فيلسوف النحو رضي الدين الإستراباذي صاحب شرح الشافية، وشرح الكافية، وهما عمدة أصحاب النحو والتصريف. وكذلك جُعلت كتب عبد القاهر -دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة-، وكتاب الصناعتين لأبي هلال، وأدب الكاتب والكامل والأمالي وغير هذه من أصول الأدب واللغة هي مادة الدراسة في هذه الكليات.

وقد قام على التدريس في هذه الكليات جماعة من خيرة من أنجبهم الأزهر فاستقلوا بتدريس هذه الكتب الجليلة خير استقلال، فنرجو أن يظهر الأزهر الجديد بعلمه الجديد الذي استمده من الكتب الأصولِ، وأن يعتمد فيما يستقبل من أيام نهضته كل الأصول الأولى في تدريس الفنون المختلفة التي يقوم ببثها بين أبنائه ومريديه وطلبته. هذا ونرجو أن تحقق روح الأزهر -التي تتصل بالشعب المصري وسائر الشعوب الإسلامية- معنى الإسلام الصحيح الذي يطالب المسلمين بالسيادة والقوة والغلبة، ولا يكون ذلك إلا يوم يتصل الأزهر اتصالًا تامًّا بجميع ألوان الثقافات العالمية، ليوجد للشعب المصري والعربي والإسلامي ثقافة تضارع كل هذه الثقافات، مبرَّأَةً من عيوبها التي فرضتها عليها البيئة غير الإسلامية التي نشأت تحت ظلالها وفي رعايتها.

وأنا أكتفي بهذا القدر من القول، وسأعود قريبًا لأبدي بعض الرأي في أنواع


(١) الآصار: جمع إِصْر، وهو الثَّقْل الذي يؤود الإنسان.