للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقرأتها وأنا أرجف بالرعب والفزع لما مثل لعيني من تلك الحقائق البشعة الشنيعة، وهي على بشاعتها وشناعتها متفشية منتشرة تغزو مصر من جميع نواحيها غزوًا مهلكًا مبيرًا، ثم لا تجد من يرده عنها من الجنود المجندة المقاتلة التي هي كل صناعة الطب وأسباب صناعته.

لقد عمد الدكتور الوكيل إلى الإحصاء الصحي في مصر، فبان منه أن البلاد إذا لم تتدارك أمر الصحة بأوثق العزم وأحكم التدبير وأسرع العمل، فسوف تنتهي إلى فناء محقق يأكل القوة المصرية كما تأكل النار يَبْس (١) الهشيم. ونحن في فاتحة عصر رهيب قد بدأ بالحرب المجتاحة، تأتي معها الأوبئة والأمراض وتجر في أذيالها أوبئة أخرى وقحطًا ومجاعة -إلا أن يشاء الله. والعالم كله يخشى ويتأهب ويستعد، فهل عمدتْ مصر إلى جعل الوقاية الصحية تدبيرًا ممتدًّا مع أسوأ الفروض التي يمكن أن توحي بفرضها أوهامنا ومخاوفنا وتشاؤمنا من الأيام المحاربة والأيام التي تلْقى عن عواتقها أوزار الحرب بعد أن تأكل القوة بعضها بعضًا في ميادين الوَغَى والقتال؟

يقول الدكتور الوكيل: "ونحن إذا رجعنا إلى نسبة الوفيات العامة سنة ١٩٣٧ في مصر وثلاثين دولة أخرى في مختلف القارّات متدرجين من الأسوء إلى الأفضل، اتضح لنا أن مصر في رأس هذه القائمة؛ ومن هذه البلدان: الهند واليونان وبلغاريا وفلسطين". . . لا، بل أكثر من ذلك، وهو أن الإحصاء يدل دلالة قاطعة على أن الأطفال هم ٨ , ٥٥ % من مجموع الموتى، وأن هذه النسبة في صعود متواصل حتى في هذا العهد الذي نحن فيه. بل انظر إلى الأصل فالدكتور الوكيل يقول: إنا إذا أخذنا الأمراض المتفشيه كالبلهارسيا والأنكلستوما والرمد والسل والأمراض العقلية والملاريا والتيفوس والتيفود والدفتريا والأنفلونزا الحادة والحمرة وغيرها، ثم جمعنا بعضها إلى بعض مرضًا مرضًا كانت ما يربو


(١) اليَبْس واليابِس بمعنى.