للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحزاني. وقال: خَفِّض عليك يا عمر، فإن هذا يهيضُك إلى ما بك. وما تدري لعل الله يحدث بعد عسر يسرا. قم إلى وضوئك أيها الرجل، واستقبل بوجهك هذه البنية، وادع الله جاهدًا أن يستر ما هتكت، فإنهنَّ النساءُ لحمٌ على وضمٍ إلاما ذُبّ عنه (١).

فما كدتُ أفرغُ من صلاتي حتى جاءت جاريةٌ صغيرةٌ تعدو قد أنزفَها الجرى، ورمتْ إليَّ كتابا في سدَقة من حرير يفوح منها العطر، وقالت: سيدتي تقول لك: في هذه شفاءٌ من داء. واستدارت وانطلقت تسعى. فنظرتُ وشممتُ ونشرت الحريرة المطوية عن كتاب مطوي طيّ العَجَلةِ، وإذا فيه: "جئنا لميعادك، فإذا شبحٌ نائمٌ في بُردِك فرميتُ نفسي عليه أُقَبِّلُه، فانتبه وجعل يقول: اعْزُبي عني فلست بالفاسق أخزاكما الله. ودفعني فعدوتُ أفرُّ بنفسي من فضيحة تنالنى فيكَ وما شعرتُ أنك محموم حتى أنبأتني بذلك أختي، فويلى عليك وويلى منك يا عمر! ". فألقيتُ الكتاب إلى ابن أبي عتيق، وأستعفي به أن يدبر منذ اليوم ما أتقي به خَبْءَ الليالي، فنظر إليَّ بعينين زائغتين من سهر وسهاد وقال: والله يا عمر لكأني بك قد ركبتَ إلى بلائك وبلاءِ الثريَّا حين قلتَ:

تشكَّى الكُمَيْتُ الجَرْىَ لمَّا جهدته ... وبيَّن لو يستطيع أن يتكلما (٢)

وما أدري كيف أحتال لك في أمرٍ قد انفلتت من يديك أعنَّته، فدعِ الأمر لله يدبره، ووطن نفسك على الثقة، ولا تجزع لبغية إن جائتك، والق من يلقاك بالفضيحة كأتم ما كنت بشاشةً ورضًى وسكينة؛ فأنت خليق أن تنقذها مما ورطتها فيه. وإياك والتردد، فإنه مدرجة النكبات. ولقد عهدتك صَنَع (٣) اللسان، فإن لم ينفعك اليوم لسانك فلا والله لا نفعك، قلت: جزاك الله عني خيرًا يا ابن أبي عتيق، ما ضرَّني كتماني دونك ما أكتم إلا اليوم، ولو كنت أعلم


(١) الوضَم: الخشبة أو ما شابهها التي يقطع عليها اللحم. وهذه العبارة من قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.
(٢) الكميت، الفَرَس لونه بين الحمرة والسواد.
(٣) الصَّنَع: الماهر الحاذِق.