للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

برُقى السحر، حتى إذا قلت قد دانتْ، انفلتت مصعَّدَة قد تركتني شاخصًا أنظر إلى صيد قد طار، ثم أطرق ناظرًا إلى سحر قد بطل. فلما اشتد ذلك عليّ استأذنتها في الخروج إلى أهلي، وقد يئست منها ومن هواها، فما سمعت حتى قالت: "يمينَ الله أيها الفاسق! بعد أن فَضَحتني؟ لا والله لا تخرج أبدًا حتى تتزوجني! " فتزوجتها وهي أحبُّ النساء إليّ أن أتزوَّج، ومازلتُ معها وأنا لا أنكرُ منها شيئًا، وأقول الشعر تأخذه الألسن لتشيعه إلى الآذان، وأدخل بيتي فألقاها فلا أسمعُ منها قلتَ وقلتَ! فيكربنى إغفالُها لما يبلغها من الشعر، فألحُّ على النسيب، وأذهب كل مذهب في التشبيب، وأتبعُ النساء بعينيّ وقلبي، وأقولُ، فلا والله ما نَبَضَ لها قلب ولا تحركت لها جارحة، ولقد أدخُل عليها فإذا هي تلقاني ضاحكة لاهية، حتى أقول: لعلها لم تسمعْ! فأنادي مولاي وأملي عليه، وهي بحيث تسمعُ ما أملي، وأتخلل الإملاء بالشكوى والحنين وأرفع بهما صَوْتي، ثم أنهضُ ألقاهَا فما أرى وجْهها يربَدُّ أو يتمعَّر (١)، فكان ذلك غَيظي وشِقْوَتي، لا تزيدُهما الأيام إلا اتقادًا. ويْلُمِّه كيلًا بغير ثمن! كم ذا أُغِيرُها فلا تغارُ!

وأقبلتُ ذلك اليوم، بعد مرجعي من الكُوفَة بشهر أو أكثر، فاستقبلني جُوان (هو ولد عمر من كلثم) فقال: "يا أَبَهْ. أُمي، ما فعلت بها؟ ". قلت: "أُمك! بخير يا بُني وَعداهَا السوء". قال: "كلاَّ يا أَبَهْ، وما أدري ما بها، غير أني ظللتُ أيامًا أستخبرها، وهي خالية، عما يريبها أو يؤذيها، فلا أسمعُ منها إلا ما تنشده من شعرك.

كُنا كَمِثل الخمْرِ كان مِزَاجَها ... بالماء، لا رَنْقٌ ولا تكديرُ

فإذا وذلك كان ظِلَّ سَحَابة ... نَفحَتْ به في المُعْصراتِ دَبورُ (٢)

"ثم تنظر إليَّ وتقول: يا جُوان، امضِ لشأنِكَ، ولا تَنْسَني في صلاتك، فوربّ هذه البنيَّةِ، لقد حملتُك ووضعتُك وأنا أدعو الله أن يُجنّبني الشيطانَ، وأن


(١) تَمَعَّر: تغير وتقبض غَضبًا.
(٢) الدبور: ريح حارة تهب من جهة الجنوب.