للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأبيات من شعر بعض الأعراب:

رأتْ نِضْوَ أسْفَارٍ، أُميمةُ، شاحبًا ... على نضو أسفارٍ، فجُنَّ جنونُها (١)

فقالت: "مِنَ أيِّ الناس أنت؟ ومن تَكُنْ ... فإنك راعي صِرْمةٍ لا يَزيُنها (٢)! "

فقلت لها: "ليس الشُّحوبُ على الفتى ... بعارٍ، ولا خيرُ الرجال سمينُها

عليك براعي ثَلَّة مُسْلَحِبَّةٍ ... يَرُوحُ عليه مَخْضُها وحَقِينُها (٣)

سمينِ الضواحي، لم تُؤَرِّقه ليلةً ... -وأنعمَ- أبكارُ الهموم وعُونُها (٤) "

وكان الشيخ حسنَ التقسيم للشعر حين يقرؤه، فيقف حيث ينبغي الوقوف، ويمضي حيث تتصل المعاني، فإذا سمعت الشعرَ وهو يقرؤه فهمته على ما فيه من غريب أو غموض أو تقديم أو تأخير أو اعتراض، فكأنه يمثله لك تمثيلا لا تحتاج


(١) نضو أسفار: مهزول قد أذابت لحمه الأسفار ولوحته البيد، يعني بالأول نفسه، وبالثاني بعيره.
(٢) الصرمة: القطيع من الإبل والغنم.
(٣) الثلة: جماعة الغنم، مسلحبة: أي منبطحة في مراعيها قد اطمأنت شبعًا وريًّا. والمخض: اللبن الذي يستهلك فيه زبده فلا يكاد يخرج منه زبد، وهذا أطيب ألبان الغنم وأمرؤها على البدن. والحقين: هو اللبن يجمع في السقاء ويصب رائبه على حليبه، فهو غذاء حسن، وذلك كله كناية عن طيب مطعم هذا الراعي وحسن مشربه، فهو في خفض ونعمة.
(٤) الضواحي: ما برز من الإنسان كالمنكبين والكتفين، يريد مملتئ البدن من الراحة والدعة وسكون النفس. والأبكار: جمع بكر، وهي المرأة لم تتزوج بعد. والعون: جمع عوان، وهي المرأة كان لها قبل ذلك زوج. أما قوله: "وأنعم" فهي كلمة معترضة أراد بها أن قد طال على ذلك الراعي ما هو فيه من خفض ورغد وراحة ورفاهية حتى ربا وسمن وزاد، فلم يشغله شيء يضنيه أو يأكل من بدنه.