للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الرحمة (أي الدفاع عن مصر والشرق) وباطنُها من قِبَله العذَاب أي نكال الحرب الثالثة. ولن تفرغ منها -إذا قدّرَ الله أن تفرغَ، ولا قَدَّر- حتى تحملها لتدور بها على أمم العرب واحدة بعد واحدةٍ، لتنال منها صَكًّا مكتوبًا، بالأسلوب الإنجليزي ولا ريب، يجعلها جميعًا في قبضة الأسد البريطاني ليوم الحَشرِ، فعندئذ تسوقهم جميعًا كعادتها إلى المجزرة الكبرى مُقدَّمين في الصفّ الأول ليكونوا قُرْبانًا لجبّار الحروبِ، ووقاءً للدَّم الإنجليزي أن يُهْرَاق منه في حروب الإمبراطورية البريطانية إلّا ما لابُدَّ منه تَحِلَّة القسم (١) وردَّ العين الحاسدة، كما حدث في الحرب الأولى والحرب الثانية، حيث لم يُسفَك من الدم الإنجليزي إلا الأقل، وحملَت العبءَ كله تلك الأنعام البشرية التي جُمِعت من الأسْود والأبيض، من بقاع إفريقية وأرجاءِ الهند ومن نَواحِي هذه الإمبراطورية التي تقبّل الشمسُ مواطئ أقدامها حيثما دارت في مَدَارها.

فاحذري أيتها العرب. . . احذري.

إن السياسة البريطانية هي السياسة البريطانية، أي هي الجشَعُ المحتالُ المخادعُ الذي يستَلُّ منك أعزَّ ما تحرصُ عَلَيه بالشدِّ والإرخاء والترغيب والترهيب والظهور والاختفاء، حتى تنهارَ النفوسُ وتسكُنَ من جَهْدٍ أو إعياء. انظري ماذا فعلتْ، أو ماذا كانت تريد أن تفعلَ بمصر. شهرٌ بعد شَهْرٍ بعد شَهْرٍ والدُّنيا كلُّها من حولنا تعج عجيجًا بالمفاوضة والمعاهدة وبالأخذ والردّ، وبالموافقة والمعارضة، وباللين والشدة، وبالسكينة والصخب، حتى دارت الرؤوس على أعناقها، وتحيَّرت العيون في حَمَاليقها، وتشتَّت منارُ الهُدَى وخيفَ على صاحب الرأْي أن يزول عن رأْيه، ومازالت إنجلترا تمدُّ للطامعين مدًّا وهُمْ يسعَون وراءَ ألفاظها الخلَّابة حتى أعيتْهم، وكادت لهم كيدًا شديدًا حتى أطغَتْهم فطغوا، وأرادوا أن يضربوا على عقول هذه الأمة وألسنِتها بالقهر والعنف والاستبداد حتى تدَعَ العقلَ واللسانَ، وتقبلَ منهم ما أرادوا هم أن يفرضوه علينا فرضًا.


(١) تحلّة القسم: أي بقَدْر تحلته، أي وقتا يسيرا.