للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السودانية في حيازة بريطانيا وشرف تاجها وَوُعودها المبذولة بألفاظٍ من سراب. وهذه النتيجة وحدها هي حَسْبُ مصر والسودان من جهادِهما، فإنه لم يكن من المعقول أن يقف مغصوب ضعيف ليفاوض غاصبًا قويًّا مفاوضة الندّ للندّ كما كان "الزعماء" يزعمون! ووالله ما ندري كيف كان يجوز ذلك في عقولهم "الزعيمة"؟ وكيف كانوا يخدعون الناس عن عقولهم "المزعومة"! ! ولكنه كانَ، وعلم أسرار ذلك عند الله خالق الزعماء!

ثم خرجنا من بلاء المفاوضة إلى عرْض قضيتنا -قضية مصر والسودان- على مجلس الأمن أو هيئة الأمم المتحدة لتحكم بيننا ويين بريطانيا المغتصبة الجريئة على حقوق خلق الله، وعلى الإيقاع بين الأمم والشعوب، وعلى خلق المشكلات التي لا وجود لها، كما فعلت في فلسطين، ثم تظاهرها بعد ذلك بأن حلّ هذه المشكلات هو همُّها، وهو تعبٌ صبَّه الله عليها وحمَّلها إياه، وهي كانت تتمنى لو زعمت أن الله لم يصبَّ عليها هذا التعب ولم يحمّلها عبء حله وتصريفه حتَّى تبلغ إرضاء المختلفين في هذه المشكلات! ! وهي تريد أن تخدع الأمم في مجلس الأمن أو في هيئة الأمم المتحدة بهذا الكذب الأبلق (١)، وعندها من أفانين الدعاية وأساليب الصحافة، ومن رجال القلم واللسان ما يعينها على إجازة هذا الكذب الصِّرف إلى عقول الرجال في مجلس الأمن أو سواه. وهي تعلم أن هؤلاء الرجال قليلا ما يعرفون من سيئاتها ومظالمها وبغيها وجرائمها وآثامها في هذا الشرق الَّذي ابتُلى بها وبخداعها.

وظني بساستنا، هداهم الله، أنهم يعرفون هذا حق المعرفة، فإن لم يكونوا يعرفونه فقد نُبهوا مرارًا ويومًا بعد يوم، فهم الآن على أتم علم بما يُخاف وما يُتجَنَّبَ في ساعة العُسرة التي نحن فيها منذ فتح الله مغاليق القلوب المُصْمتة فأدركت أن المفاوضة عبث لا يُجدي ولا يغني، وإنما هو الجهادُ العامُّ في سبيل نيل الحق المغصوب. فما معنى هذا التدابُر إذن؟


(١) الأَبْلَق: يعني الواضح، وأصل الَبَلق ارتفاع التحجيل (أي البياض) إلى فخذي الفرس.