للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وبعد أن فعلت كل هذا طلبًا للأجر والحسبة من الله خالقهم وخالق الصهيونيين، زعمت أنها ولا شك نافضة يدها من هذا الأمر، وجالية بجنودها عن هذه الأرض، وتاركة الناس أحرارًا يدبرون شئونهم بأيديهم! فكيف يفهم العقل من كل هذا أن بريطانيا تعترض على مسألة التقسيم لأنها تريد خيرًا للعرب، وتحافظ على وعودها لهم، وتعمل على رد شر اليهود ومن يعاونهم عن هذه الأمة المسكينة؟ ! كيف يا شياطين السياسة؟ !

إن لها من وراء كل هذا التنكر للتقسيم أربًا آخر لا ندري ما هو على التحقيق، ولكنا إذا عرضناه على أفاعيل بريطانيا منذ كانت بريطانيا، فلن نعدم الشك في نيتها، ولا الاهتداء إلى موضع الدَّخَل (١) في تصرفها، ولا آيات الكذب في دعواها. وقبل هذا وذاك، لا يستطيع قلب عربي أن يطمئن إلى أن بريطانيا وأمريكا، وهما الدولتان المتعاونتان على الخير والشر، تختلفان في هذه المسألة بعينها، إلا أن يكون اختلافهما تعمية وتدليسًا لشيء هو أجدى عليهما وعلى الصهيونيين اليهود من اتفاقهما! وليكن الأرب المكنون بعد ذلك ما يكون!

ونحن العرب لا نحب أن نلقى إثم هذه الصهيونية الجائرة على أمريكا وروسيا للذي نراه اليوم من موقفهما وتشددهما وحرصهما على تقسيم فلسطين، لا لأنهما أمتان بريئتان، بل لأن الدوافع التي تحملهما على هذا الحرص وهذا التشدد إنما جاءت بعد أن فعلت بريطانيا فعلتها، وأصَّلت لهذه الخبائث أصلا قويًا في الأرض المطهرة، ونزعت من يد العرب كل حول وطَوْل في تصريف شأن بلادهم، وبعد أن تكرمت بريطانيا علي العالم كله بإحداث مشكلة لا حل لها إلا الحل الذي تفصم به كل عقدة خبيثة تستعصي على المحاول.

إننا لا نريد أن نخدع مرة أخرى بنفاق بريطانيا وأكاذيبها وتصنعها لأعين الناس بالبراءة وحب الخير والحرص على الوفاء بالعهود وإنجاز المواعيد، وبريطانيا تريد أن تذهب في أمر فلسطين مذهبًا جديدًا لتكون شهيدًا جديدًا يستنزل العطف


(١) الدَّخل: الخداع والفساد.