للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للبشر منذ كانوا على هذه الأرض، ولها أساليب لا يجهلها خبير بها ولا غير خبير، ومَن جهل هذه الأساليب أو تجاهلها أو دعا قومه إلى إطراحها والإغماض عنها فإنما يدعوهم إلى الهلكة والفناء والخزي وذل العصور والآباد. فكل كلمة تقال منذ اليوم في أمر هذه الحرب فهي إما تحريض على القتال، أو تثبيط عنه. وكل امرئ منا محاسب بما يقول علا شأنه أو سفل، فإن الحرب لا تعرف شريفًا ليس لسانه بشريف، ولا تتنكر لمغمور يضئ عنه بيانه أو عمله.

وقد قرأت في هذه الأيام الأخيرة وسمعت كلمات لا يرفعها أو يشفع لها أن يكون قائلها فلان أو فلان. فإن قيادة هذه الحرب لن تكون لمن يهادن في الحق الأبلج (١)، أو يجامل في المحنة المهلكة. فمن ذلك أني سمعت الأئمة على منابر المسلمين تذكر الناس بأمر فلسطين وما حل بها وما يراد فيها، ثم تعقب على ذلك بتذكير الناس بأن في بلادهم مواطنين من يهود -هم كما يقولون- أهل ذمة، لهم ما لأهل الذمة والمعاهدين من الأحكام في ديننا ودين نبينا. وقرأت أيضًا بيانًا من "هيئة وادي النيل" أذاعه رئيسها سعادة محمد على علوبة باشا يقول لنا فيه: "إن لكم مواطنين من اليهود في مصر، لهم ما لكم وعليهم ما عليكم. وقد شاعت حولهم شائعات السوء فقيل إنهم يمدون الصهيونية بالمال، وإنهم يضنون بمالهم فلا يساهمون معكم في رد عدوان الباغين. ونحن على يقين من أن إخواننا اليهود في مصر -وهم أصحاب الملايين- سيبذلون من مالهم للعروبة في محنتها كما تبذلون، وسيسارعون إلى تكذيب هذه الشائعات ببذلهم وعطائهم لا بأقوالهم وتصريحاتهم".

ولست أدري ما الذي يحمل هؤلاء القوم على ركوب هذا المركب في تغطية عيون الناس عن أفاعيل يهود منذ كان لهم على هذه الأرض مكان يسرحون فيه؟ فإذا كانوا يريدون أن لا تقع الفتنة بين يهود مصر وبيننا، فكفاهم أن يذكروا أن العرب والمسلمين منذ كانوا لم يضطهدوا هذا الجنس من خلق الله إلا عقابًا


(١) الأَبْلَج: الواضح، وأصله الأبيض.