للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ما ذكرت من صفته، وعلى شيء آخر، هو ضعفه الشديد في فهم دقائق الشعر العربي. ثم على شيء آخر أيضًا، هو أنه مشغول بالنحو وما إليه وبالإغراب في بيان وجوهه المختلفة. وهذه الكلمة التي نقلها اليازجى والشرتونى عنه، هو صاحبها، وهو مدعى هذا المعنى لها، ولم ترد في شعر قديم، ولا نثر معروف، على الوجه الذي توهمه التبريزي واحتال له. وإنما أتى الشيخ من سوء فهمه لما تولى شرحه من شعر الحماسة.

جاءت الكلمة في شعر للبعيث بن حريث بن جابر الحنفي، أحد بني الدُّؤَل ابن حنيفة بن لجيم. . . بن بكر بن وائل، وهي أبيات جياد مختارة، يذكر فيها طروق طيف صاحبته على بُعْد الزيارة، ثم مسيره في البلاد، ثم يفخر بنفسه وبمحاماته دون عشيرته وذبه عن مآثرها ومجدها، يقول في مطلعها:

خيال لأُمِّ السَّلْسَبيل ودونها ... مَسيرةُ شهرٍ للبريد المُذَبْذَبِ! (١)

حتى يفخر بما فعل في نصرة رجلين من قومه هما (يزيد) و (عبس)، كانا استصرخا به في مُلِمَّة من ملمات الحروب، فنصرهما وحامى عنهما، واستنقذهما، وهم يومئذ جميعًا في غربة عن ديار عشيرتهم، قال البعيث في ذلك:

وإن مَسِيري في البلاد ومنزلي ... لبالمنزل الأقصى إذا لم أُقَرَّبِ (٢)

ولست، وإن قُرِّبْتُ يومًا ببائع ... خَلاقي ولا ديني ابتغاء التحبُّبِ (٣)

ويَعْتَدُّهُ قوم كثير تجارةً ... ويمنعني من ذاك دينى ومنصبى

دعانى يزيد، بعد ما ساء ظنه، ... وعَبْسٌ، وقد كانا على حَدِّ مَنْكَبِ

وقد علما أن العشيرة كلَّها، ... سوى مَحْضَرِي، من خاذلين وغيَّبِ

فكنتُ أنا الحامى حقيقة وائل ... كما كان يَحْمِي عن حقائقها أبي


(١) المذبذَب: المُتَعَجِّل.
(٢) أقرَّب: أُكرَّم وأُدْنى.
(٣) الخلاق: الحظ والنصيب من الصَّلاح.