للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وحماقات المغفلين، ومن دار الجد والجدل في علوم الأوائل والأخذ والرد في مذاهب القوم من المعتزلة وأهل الرأي وأهل السنة وغيرهم، إلى دار الخلاعة والمجون وشرب الخمر وأنواع الشرور الإنسانية. وحين كانت بغداد تموج بالقادمين إليها من كل فج، فيهم الفارسى والهندى والشامى والمصري والأندلسى والترك والديلم والقيان الجميلات، والإماء المستطرفات اللبقات، والمغنيات والأديبات، وحين كانت الفتنة والوقار والهدى والضلال، وبغداد تغلي كغَلْي المرجل، وأبو نواس الشاعر الماجن اللسن الخبيث في مثل هذا الموج يروح ويغدو.

هذا هو مَحَكّ كل مؤلف يكتب عن أهل ذلك العصر على الطريقة المستحدثة في الأدب العربي. وفي هذا يتبين القارئ كيف درس الأديب وكيف فهم وكيف تأثر بشعر الشاعر واهتز له وأقبل عليهِ وأعجب به واستوضح نبوغه فشهد له وفضله واستخرج محاسن شعره ثم كتب عنه. وبغير هذا يكون كل كتاب قد استوعب ترجمة الرجل منهم على طريقة التأليف الأولى أجدى وأقوم.

على أن الأستاذ الأديب "عمر" قد ألم بحياة أبي نواس إلمامًا لا بأس به فيهِ الفائدة للناشئة، ينبه كل غافل منهم إلى الأديب العربي وما فيهِ من درر القول وكرائم الشعر ويدعوهم إلى وصل ماضيهم بالحاضر الذي يعملون على تشييده وبنائهِ. وقد رد الأستاذ القول الذي لج فيهِ بعض المحدثين بأن أمثال أبي نواس من الشعراء أهل المجون والخلاعة والتهتك يمثلون العصر العباسى عصر الرشيد الذي كان يموج بأئمة الدين كأبي يوسف صاحب أبي حنيفة وكبار الفقراء من أعلام الصوفية أصحاب النسك والورع.

أما لغة الكتاب وأسلوب المؤلف ففيهما ضعف نرجو أن تبرأ منهُ بقية مؤلفاته إن شاء الله، وفي الكتاب سهو كثير ونخص بالذكر والتنبيه قوله "إن أبا الفرج صاحب الأغاني افتتح الجزء السادس عشر من كتابه "بأخبار أبي نواس وجنان خاصة" والصواب أنهُ الجزء الثامن عشر. وأيضا، فقد ذهب المؤلف إلى القول بضياع ترجمة أبي نواس من كتاب الأغانى كما ذهب إلى ذلك ابن منظور