للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولقد علم من لم يكن يعلم أني كتبت ما سلف هادئًا لا أهاجم، إلا أن أترفق وأستأنى وأتصبر على كلام ينفد معه صبر الحليم. . . . وأنا وإن كنت لا أبالي بشيء مما يصف الأستاذ الكامل به كلامي فأنا لازلت أحفظ للقراء عهدهم قِبَلَ الكتَّاب، فلا أدع القارئ عُرضَة لرجل يفهم القول الرفيع بالفهم الوضيع، ولا لرجل يسيء القول في الناس ويأبى عليهم أن يقولوا له أسأت فأجمِل. ولا لرجل يرى الظل ممدودًا له -زمن القيظ- فيتجنبه إلى وقدة الشمس. . .

فهكذا أبى الأستاذ أن يأوى إلى مأوى يقيه، وتجرد يختال علينا، ويقتال (١) إلى نفسه جريرة شر. وما ظني برجل يصف الرافعي بألفاظ ملفقة، وهي على ذلك بينة الدلالة على قبح الغرض، سافرة عن شُنْعَة الإساءة، قليلة التذمم في حق الأحياء بَلْهَ الأموات ممن لم تجف عن قبورهم بعدُ دموع أزواجهم وأطفالهم وذراريهم ومن يَمُتون إليهم بالحب والمودة والإخاء؟

وما ظني وظنك وإنسان قد حُمِّل القلم ليستملى، فيتنزل عليه القول من بغضاء مربدة باغية لا تتقي سوء المقال ولا مأثور الكلام؟

وما ظني وظنك بفهم يتعالى على سلاليم من القوارص والقواذع، لا تجد لها في الذي تعرف سببًا قديمًا أو علة محدثة تسوِّغ الأذى أو تحمل عليه؟

ما ظني وظنك بهذا الرجل الذي نترفق به ونستر (نفسه ودافعها في الحياة) بالإشارة اللطيفة، فيأبى إلا أن يترجم القول إلى غير معناه. . . . إذ يسمى ما كتبت له (شتائم). . . . شتائم .. ! أنف في السماء. . . . أأنا يدور في نفسي أن أكتب للأستاذ الفاضل ما يسمى (شتائم)؟ لأنا يا سيدي الأستاذ قطب أحسن ظنًّا بك من هذا. ولقد قلتُ ما قلتُ من أن الناس كانوا يتعايشون بالدين والتقوى ثم رُفِع ذلك -كما قال الشعبيّ- فتعايشوا بالتذمم والحياء؛ ثم رفع ذلك، ثم تعايشوا بالرغبة والرهبة، ثم رفع ذلك، وجاء زمان يتعايش الناس فيه (بثلب الموتى). . . . وهو زماننا هذا. ولو قد كنت (أخصائيًّا! ) في اللغة التي يعبر بها لما زعمت أنى (رحت أتهمك بمجانبة الدين والتقوى، والحياء والتذمم) فأنا لم أقصد إلى


(١) اقتال قولا: اجترَّه إلى نَفْسه مِن خير أو شرّ.