للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآراء التي ترفق في عرضها وأخذ يلوكها مرة ثم مرة مجمجمًا غير مصرّح، وكنت على عزيمة تبيانها للقارئ ولكني رأيت أن ذلك مما يستنفد معنا في هذا الباب من المجلة صفحات كثيرة، ثم وجدت أن الأستاذ "محمد أمين هلال" قد سبقني وكتب في جريدة البلاغ مقالات دقيقة اطلعت على الرابعة والخامسة منها، وقد وقف فيها عند ما وقفت عليهِ ودافع كلام هذا المستشرق بالحجة الصحيحة، وأوثر أن أنقل إلى القارئ هنا جزءًا من كلمة الأستاذ "محمد أمين هلال" التي نشرت في بلاغ (الثلاثاء ٢ جمادى الآخرة سنة ١٣٥٣ - ١١ سبتمبر سنة ١٩٣٤) لما فيها من الفائدة.

"يظهر أن اتهام رجال العرب الفاتحين -خصوصًا في الدولة الأموية- بالوثنية والحنين إلى عهودها كان صدًى لما كان يشيعه أعداء الإسلام من أنهُ دين وثني وأن المسلمين جماعة من الوثنيين تغلبوا على الأرض المقدسة ونفوا منها كل فضيلة وإخلاص ولقد رأينا هذه الأقوال الكاذبة ينشرها دعاة الحرب من رؤساء الكنيسة إبان الحروب الصليبية، فلما قفل الغزاة إلى ديارهم قصُّوا على قومهم أن أعداءَهم كانوا أهل دين وتوحيد ومروءة ومجاملة.

"ونحن إذا تخيرنا من بين خلفاء الأمويين -الذين يتهمهم العلّامة دوزى ببغض الإسلام- أبغضَ هؤلاء الخلفاء وأبعدَهم عن قلوب المسلمين وهو يزيد بن معاوية مثلًا نجده كان يعمل للإسلام ويأمر قواده بذلك فقد حدثنا التاريخ أن عقبة ابن نافع عامل يزيد لما فتح بلاد البربر وسار إلى السوس الأقصى حتى وصل إلى بحر الظلمات (المحيط الأطلنطي) قال "يا رب لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهدًا في سبيلك" وأنه لما سار إلى (تهوذا) ورآه الروم في قلة طمعوا فيهِ فأغلقوا باب الحصن وشتموه وقاتلوه وهو يدعوهم إلى الإسلام ثم تكاثروا عليه وقتلوه.

"ورأينا قتيبة بن مسلم عامل الحجاج بن يوسف "المشهور بغطرسته وقسوته" يخطب في الناس ويقول لهم: إن الله قد أحلكم هذا المحل ليعز دينه ويذب بكم عن الحرمات ويزيد لكم المال استفاضة والعدو قمعًا، ووَعَدَ نبيه - صلى الله عليه وسلم - النصر بحديث صادق وكتاب ناطق فقال {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} ووعد المجاهدين